الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } قراءة العامة «يُوحَى» بالياء وفتح الحاء. وقرأ حفص عن عاصم «نُوحي إليهم» بنون العظمة وكسر الحاء. نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلاّ بعث إلينا مَلَكاً فردّ الله تعالى عليهم بقوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } إلى الأمم الماضية يا محمد «إلا رِجالا» آدميين. { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } قال سفيان: يعني مؤمني أهل الكتاب. { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشراً. وقيل: المعنى فاسألوا أهل الكتاب فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر. رُوِيَ معناه عن ابن عباس ومجاهد. وقال ابن عباس: أهل الذكر أهل القرآن. وقيل: أهل العلم، والمعنى متقارب. { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ } قيل: «بالبينات» متعلق بـ «أرسلنا». وفي الكلام تقديم وتأخير، أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً ـ أي غير رجال، فـ «إلاّ» بمعنى غير كقوله: لا إلٰه إلا الله، وهذا قول الكلبيّ ـ نوحِي إليهم. وقيل: في الكلام حذف دل عليه «أرسلنا» أي أرسلناهم بالبينات والزبر. ولا يتعلق «بِالبيناتِ» بـ «ـأرسلنا» الأوّل على هذا القول لأن ما قبل «إلاّ» لا يعمل فيما بعدها، وإنما يتعلق بأرسلنا المقدّرة، أي أرسلناهم بالبينات. وقيل: مفعول بـ «تعلمون» والباء زائدة، أو نصب بإضمار أعني كما قال الأعشى:
وليس مُجِيراً إن أتى الحيَّ خائف   ولا قائلاً إلا هو المتعيَّبَا
أي أعني المتعِيّب. والبينات: الحجج والبراهين. والزُّبُر: الكتب. وقد تقدّم في آل عمران. { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } يعني القرآن. { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك فالرسول صلى الله عليه وسلم مبيِّن عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة، وغيرِ ذلك مما لم يفصّله. وقد تقدّم هذا المعنى مستوفىً في مقدّمة الكتاب، والحمد لله. { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فيتّعظون.