الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } هذا من صفة الكافرين. و «ظَالمِي أَنْفُسِهِم» نصب على الحال أي وهم ظالمون أنفسهم إذ أوردوها موارد الهلاك. { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } أي الاستسلام. أي أقرّوا لله بالربوبية وانقادوا عند الموت وقالوا: { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } أي من شرك. فقالت لهم الملائكة: { بَلَىٰ } قد كنتم تعملون الأسواء. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } وقال عكرمة: نزلت هذه الآية بالمدينة في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا، فأخرجتهم قريش إلى بدر كرها فقُتِلوا بها فقال: { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } بقبض أرواحهم. { ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } في مقامهم بمكة وتركهم الهجرة. { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } يعني في خروجهم معهم. وفيه ثلاثة أوجه: أحدها ـ أنه الصلح قاله الأخفش. الثاني ـ الاستسلام قاله قُطْرُب. الثالث ـ الخضوع قاله مقاتل. { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } يعني من كفر. { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني أن أعمالكم أعمال الكفار. وقيل: إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين فنزلت فيهم. وعلى القول الأول فلا يخرج كافر ولا منافق من الدنيا حتى ينقاد ويستسلِم، ويخضع ويذل، ولا تنفعهم حينئذ توبة ولا إيمان كما قال:فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85] وقد تقدّم هذا المعنى. وتقدّم في «الأنفال» إن الكفار يتوفّون بالضرب والهوان، وكذلك في «الأنعام». وقد ذكرناه في كتاب التذكرة.