الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }

قرأ المفضّل عن عاصم «تَنَزَّل الملائكةُ» والأصل تتنزل، فالفعل مسند إلى الملائكة. وقرأ الكسائي عن أبي بكر عن عاصم باختلاف عنه والأعمش «تُنَزَّل الملائكة» غير مسمى الفاعل. وقرأ الجُعْفيّ عن أبي بكر عن عاصم «نُنَزِّلُ الملائكةَ» بالنون مسمى الفاعل، الباقون «يُنَزِّل» بالياء مسمى الفاعل، والضمير فيه لاسم الله عز وجل. وروي عن قتادة «نُنْزِل الملائكةَ» بالنون والتخفيف. وقرأ الأعمش «تَنْزِل» بفتح التاء وكسر الزاي، من النزول. «الملائكةُ» رفعاً مثلتَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } [القدر: 4]. { بِٱلْرُّوحِ } أي بالوحي وهو النبوّة قاله ابن عباس. نظيرهيُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [غافر: 15]. الربيع بن أنس: بكلام الله وهو القرآن. وقيل: هو بيان الحق الذي يجب ٱتباعه. وقيل: أرواح الخلق قاله مجاهد، لا ينزل ملك إلا ومعه روح. وكذا روي عن ابن عباس أن الروح خلق من خلق الله عز وجل كصور ابن آدم، لا ينزل من السماء مَلَك إلا ومعه واحد منهم. وقيل بالرحمة قاله الحسن وقتادة. وقيل بالهداية لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان، وهو معنى قول الزجاج. قال الزجاج: الروح ما كان فيه من أمر الله حياةٌ بالإرشاد إلى أمره. وقال أبو عبيدة: الروح هنا جبريل. والباء في قوله: «بالروح» بمعنى مع، كقولك: خرج بثيابه، أي مع ثيابه. { مِنْ أَمْرِهِ } أي بأمره. { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي على الذين اختارهم الله للنبوّة. وهذا ردّ لقولهم:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31]. { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } تحذير من عبادة الأوثان، ولذلك جاء الإنذار لأن أصله التحذير مما يخاف منه. ودلّ على ذلك قوله: «فٱتقون». و «أنْ» في موضع نصب بنزع الخافض، أي بأن أنذروا أهل الكفر بأنه لا إلٰه إلا الله، فـ «أن» في محل نصب بسقوط الخافض أو بوقوع الإنذار عليه.