الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَعَلامَاتٍ } قال ابن عباس: العلامات معالم الطرق بالنهار أي جعل للطرق علامات يقع الاهتداء بها. { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } يعني بالليل، والنجمُ يراد به النجوم. وقرأ ابن وَثّاب «وبِالنُّجْم». الحسن: بضم النون والجيم جميعاً ومراده النجوم، فقصره كما قال الشاعر:
إنّ الفقير بيننا قاضٍ حَكَمْ   أن تَرِد الماءَ إذا غاب النُّجُمْ
وكذلك القول لمن قرأ «النُّجْم» إلا أنه سَكّن استخفافاً. ويجوز أن يكون النُّجُم جمعَ نَجْم كسَقْف وسُقُف. واختلف في النجوم فقال الفراء: الجَدْي والفرقدان. وقيل: الثريا. قال الشاعر:
حتى إذا ما استقلّ النّجمُ في غَلَس   وغُودر البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومحصودُ
أي منه ملوِيّ ومنه محصود، وذلك عند طلوع الثريا يكون. وقال الكَلْبِيّ: العلامات الجبال. وقال مجاهد: هي النجوم لأن من النجوم ما يهتدَى بها، ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها وقاله قَتادة والنَّخَعِيّ. وقيل: تم الكلام عند قوله «وعلاماتٍ» ثم ابتدأ وقال: «وبِالنَّجْمِ هم يهتدون». وعلى الأوّل: أي وجعل لكم علامات ونجوماً تهتدون بها. ومن العلامات الرياح يهتدى بها. وفي المراد بالاهتداء قولان: أحدهما ـ في الأسفار، وهذا قول الجمهور. الثاني ـ في القِبْلة. " وقال ابن عباس: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } قال: «هو الجَدْيُ يٱبنَ عباس، عليه قبلتكم وبه تهتدون في بَرِّكم وبحركم» " ذكره الماورديّ. الثانية ـ قال ابن العربيّ: أما جميع النجوم فلا يهتدِي بها إلا العارف بمطالعها ومغاربها، والفرق بين الجنوبي والشمالي منها، وذلك قليل في الآخرين. وأما الثُّرَيّا فلا يهتدي بها إلا مَن يهتدي بجميع النجوم. وإنما الهَدْي لكل أحد بالجَدْي والفَرْقَدين لأنها من النجوم المنحصرة المطالع الظاهرة السَّمْت الثابتة في المكان، فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصّلاً، فهي أبداً هَدْيُ الخلق في البَرّ إذا عميت الطرق، وفي البحر عند مجرى السفن، وفي القِبْلة إذا جهل السَّمْت، وذلك على الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك الأيسر فما استقبلت فهو سَمْت الجهة. قلت: " وسأل ابنُ عباس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن النجم فقال: «هو الجَدْي عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم» " وذلك أن آخر الجدي بنات نَعْش الصغرى والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينها. الثالثة ـ قال علماؤنا: وحكم استقبال القبلة على وجهين: أحدهما ـ أن يراها ويعاينها فيلزمه استقبالها وإصابتها وقصد جهتها بجميع بدنه. والآخر ـ أن تكون الكعبة بحيث لا يراها فيلزمه التوجه نحوها وتلقاءها بالدلائل، وهي الشمس والقمر والنجوم والرياح وكل ما يمكن به معرفة جهتها، ومن غابت عنه وصلّى مجتهداً إلى غير ناحيتها وهي ممن يمكنه الاجتهاد فلا صلاة له فإذا صلّى مستدِلاّ ثم انكشف له بعد الفراغ من صلاته أنه صلى إلى غير القبلة أعاد إن كان في وقتها، وليس ذلك بواجب عليه لأنه قد أدّى فرضه على ما أمِر به. وقد مضى هذا المعنى في «البقرة» مستوفًى والحمد لله.