الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

قوله تعالى: { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } قيل: «أَتَى» بمعنى يأتي فهو كقولك: إن أكرمتني أكرمتك. وقد تقدّم أن أخبار الله تعالى في الماضي والمستقبل سواء لأنه آتٍ لا محالة، كقوله:وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } [الأعراف: 44]. و «أمر اللَّهِ» عقابه لمن أقام على الشرك وتكذيب رسوله. قال الحسن وابن جُريج والضحاك: إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه. وفيه بعد لأنه لم يُنقل أن أحداً من الصحابة استعجل فرائض الله من قبل أن تفرض عليهم، وأما مستعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عن كثير من كفار قريش وغيرهم، حتى قال النّضر بن الحارث:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال: 32] الآية، فٱستعجلَ العذاب. قلت: قد يستدل الضحاك بقول عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر خرّجه مسلم والبخاري. وقد تقدم في سورة البقرة. وقال الزجاج: هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم، وهو كقوله:حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } [هود: 40]. وقيل: هو يوم القيامة أو ما يدل على قربها من أشراطها. قال ابن عباس: لما نزلتٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] قال الكفار: إن هذا يزعم أن القيامة قد قَرُبت، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون، فأمسكوا وانتظروا فلم يروا شيئاً، فقالوا: ما نرى شيئا فنزلتٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [الأنبياء: 1] الآية. فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فامتدت الأيام فقالوا: ما نرى شيئا فنزلت «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ» فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وخافوا فنزلت «فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ» فاطمأنوا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " بعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بأصبعيه: السبابة والتي تليها. يقول: إن كادت لتسبقني فسبقتها. وقال ابن عباس: كان بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة، وأن جبريل لما مرّ بأهل السموات مبعوثاً إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: الله أكبر، قد قامت الساعة. قوله تعالى: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزيهاً له عما يصفونه به من أنه لا يقدر على قيام الساعة، وذلك أنهم يقولون: لا يقدر أحد على بعث الأموات، فوصفوه بالعجز الذي لا يوصف به إلا المخلوق، وذلك شرك. وقيل: «عَمَّا يُشْرِكُونَ» أي عن إشراكهم. وقيل: «ما» بمعنى الذي، أي ارتفع عن الذين أشركوا به.