الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } * { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ }

قال ابن عباس: أوّل ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان، فيشربون من إحدى العينين فيُذهب الله ما في قلوبهم، من غل، ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم، وتجري عليهم نضرة النعيم ونحوه عن عليّ رضي الله عنه. وقال عليّ بن الحسين: نزلت في أبي بكر وعمر وعليّ والصحابة، يعني ما كان بينهم في الجاهلية من الغل. والقول الأوّل أظهر، يدلّ عليه سياق الآية. وقال عليّ رضي الله عنه: أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من هؤلاء. والغل: الحقد والعداوة يقال منه: غلّ يغِلّ. ويقال من الغلول وهو السرقة من المَغْنَم: غَلّ يَغُلّ. ويقال من الخيانة: أغَلّ يُغِلّ. كما قال:
جَزَى الله عنا حَمْزَةَ ابنةَ نَوفلٍ   جزاءَ مُغِل بالأمانة كاذبٍ
وقد مضى هذا في آل عمران. { إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } أي لا ينظر بعضهم إلى قَفَا بعض تواصلاً وتحابُباً عن مجاهد وغيره. وقيل: الأسِرة تدور كيفما شاءوا، فلا يرى أحد قفا أحد. وقيل: «متقابلين» قد أقبلت عليهم الأزواج وأقبلوا عليهن بالودّ. وسُرُر جمع سرير. مثل جديد وجدد. وقيل: هو من السرور فكأنه مكان رفيع ممهَّد للسرور. والأوّل أظهر. قال ابن عباس: على سرر مكللة بالياقوت والزبرجد والدر، السرير ما بين صنعاء إلى الجابية وما بين عدن إلى أيْلة. «وإخواناً» نصب على الحال من «المتقين» أو من المضمر في «ادخلوها»، أو من المضمر في «آمنين»، أو يكون حالاً مقدرة من الهاء والميم في «صدورهم». { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ } أي إعياء وتعب. { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } دليل على أن نعيم الجنة دائم لا يزول، وأن أهلها فيها باقون. أكلها دائم { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } [صۤ: 54].