الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } أي بحجتنا وبراهيننا أي بالمعجزات الدالة على صدقه. قال مجاهد: هي التسع الآيات. { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } نظيره قوله تعالى لنبينا عليه السلام أول السورة: { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }. وقيل: «أَنْ» هنا بمعنى أي، كقوله تعالى:وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } [صۤ: 6] أي ٱمشوا. قوله تعالى: { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } أي قل لهم قولاً يتذكرون به أيام الله تعالى. قال ٱبن عباس ومجاهد وقتادة: بنعم الله عليهم وقاله أبيّ بن كعب ورواه مرفوعاً أي بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم، وقد تسمى النعم الأيام ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وأيـامٍ لنـا غُـرٍّ طِـوالٍ   
وعن ٱبن عباس أيضاً ومقاتل: بوقائع الله في الأمم السالفة يقال: فلان عالم بأيام العرب، أي بوقائعها. قال ٱبن زيد: يعني الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية وكذلك روى ٱبن وهب عن مالك قال: بلاؤه. وقال الطبريّ: وعظهم بما سلف في الأيام الماضية لهم أي بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة وقد كانوا عبيداً مستذلين واكتفى بذكر الأيام عنه لأنها كانت معلومة عندهم. وروى سعيد بن جُبَير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينا موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله وأيامُ الله بَلاؤه ونِعماؤه " وذكر حديث الخضر ودلّ هذا على جواز الوعظ المرقّق للقلوب، المقوِّي لليقين، الخالي من كل بدعة، والمنزه عن كل ضلالة وشبهة. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي في التذكير بأيام الله { لآيَاتٍ } أي دلالات. { لِّكُلِّ صَبَّارٍ } أي كثير الصبر على طاعة الله، وعن معاصيه. { شَكُورٍ } لنعم الله. وقال قتادة: هو العبد إذا أُعطِي شَكر، وإذا ٱبتُلِيَ صَبر. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر " ـ ثم تلا هذه الآية ـ { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }. ونحوه عن الشعبيّ موقوفاً. وتَوارَى الحسن البصريّ عن الحجّاج سبعَ سنين، فلما بلغه موته قال: اللهم قد أمتّه فأمِت سُنَّته، وسجد شكراً، وقرأ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». وإنما خص بالآيات كل صبار شكور لأنه يعتبر بها ولا يغفل عنها كما قال: { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } وإن كان منذِراً للجميع.