الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }

قوله تعالى: { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } أي في بلاد ثَمود ونحوها فهلا ٱعتبرتم بمساكنهم، بعد ما تبيّن لكم ما فعلنا بهم، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن. وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ «وَنُبَيّنْ لَكُمْ» بنون والجزم على أنه مستقبل ومعناه الماضي وليناسب قوله: «كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ». وقراءة الجماعة، «وَتَبَيَّنَ» وهي مثلها في المعنى لأن ذلك لا يتبين لهم إلا بتبييّن الله إياهم. قوله تعالى: { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } أي بالشرك بالله وتكذيب الرسل والمعاندة عن ابن عباس وغيره. { وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } «إن» بمعنى «ما» أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه «وإن» بمعنى «ما» في القرآن في مواضع خمسة: أحدها هذا. الثاني ـفَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [يونس: 94]. الثالث ـلَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا } [الأنبياء: 17] أي ما كنا. الرابع ـقُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [الزخرف: 81]. الخامس:وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } [الأحقاف: 26]. وقرأ الجماعة «وإن كان» بالنون. وقرأ عمرو بن عليّ وابن مسعود وأبيّ «وإن كاد» بالدال. والعامة على كسر اللام في «لتزول» على أنها لام الجحود وفتح اللام الثانية نصباً. وقرأ ابن محيِصن وابن جريج والكسائيّ «لَتَزُولُ» بفتح اللام الأولى على أنها لام الابتداء ورفع الثانية «وإن» مخفّفة من الثّقيلة، ومعنى هذه القراءة استعظام مكرهم أي ولقد عظم مكرهم حتى كادت الجبال تزول منه قال الطَّبرَيّ: الاختيار القراءة الأولى لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة قال أبو بكر الأنباريّ: ولا حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدّثناه أحمد بن الحسين: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدّثنا وكيع بن الجرّاح عن إسرائيل عن أبي إسحق عن عبد الرحمن بن دانيل قال سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن جبّاراً من الجبابرة قال لا أنتهي حتى أعلم من في السموات، فعمَدَ إلى فراخ نُسُور، فأمر أن تطعم اللحم، حتى ٱشتدت وعَضَلتْ وٱستعلجتْ أمر بأن يُتخذ تابوتٌ يسع فيه رجلين وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته، وأن يُستوثق من أرجل النسور بالأوتاد وتُشدّ إلى قوائم التابوت، ثم جلس هو وصاحب له في التابوت وأَثَارَ النّسورَ، فلما رأت اللحم طلبته، فجعلت ترفع التابوت حتى بلغت به ما شاء الله فقال الجبّار لصاحبه: ٱفتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال: أرى الجبال كأنها ذباب، فقال: أغلق الباب ثم صعدت بالتابوت ما شاء الله أن تصعد فقال الجبّار لصاحبه: ٱفتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال: ما أرى إلا السماء وما تزداد منا إلا بُعْداً، فقال: نَكِّس العصا فنكّسها، فانقضّت النّسور.

السابقالتالي
2