الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } * { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } لما ذكر تعالى مَثَل أعمال الكفار وأنها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، ذكر مَثَل أقوال المؤمنين وغيرها، ثم فسّر ذلك المَثَل فقال: { كَلِمَةً طَيِّبَةً } الثّمر، فحذف لدلالة الكلام عليه. قال ابن عباس: الكلمة الطيبة لا إله إلا الله والشجرة الطيبة المؤمن. وقال مجاهد وابن جريج: الكلمة الطيبة الإيمان. عطية الْعَوْفيّ والرّبيع بن أنَس: هي المؤمن نفسه. وقال مجاهد أيضاً وعِكْرمة: الشّجرة النَّخلة فيجوز أن يكون المعنى: أصل الكلمة في قلب المؤمن ـ وهو الإيمان ـ شبّهه بالنخلة في الْمنْبِت، وشّبه ارتفاع عمله في السماء بارتفاع فروع النّخلة، وثواب الله له بالثّمر. وروي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن مَثَل الإيمان كمثل شجرة ثابتةٍ الإيمان عُروقُها والصلاةُ أصلُها والزكاةُ فروعُها والصيامُ أغصانُها والتأذي في الله نباتُها وحسنُ الخُلُقِ ورقُها والكفُّ عن محارم الله ثمرتُها " ويجوز أن يكون المعنى: أصل النّخلة ثابت في الأرض أي عروقُها تشرب من الأرض وتسقيها السماء من فوقها، فهي زاكية نامية. وخرّج الترمذيّ من حديث أَنَس بن مالك قال: اتيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقِناع فيه رُطَب، فقال: " مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرةَ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فيِ السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ـ قال ـ هي النخلة وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْض مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ـ قال ـ هي الحنظل " وروي عن أنس قوله وقال: وهو أصح. وخرج الدَّارقُطْنيّ " عن ٱبن عمر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هي» فوقع في نفسي أنها النّخلة " قال السُّهَيليّ ولا يصح فيها ما روي عن عليّ بن أبي طالب أنها جَوْزة الهند. لمِا صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: " إنّ من الشجرة شجرةً لا يسقط ورقها وهي مِثْلُ المؤمن خبِّروني ما هي ـ ثم قال ـ هي النخلة " خرّجه مالك في «الموطأ» من رواية ابن القاسم وغيره إلاّ يحيـى فإنه أسقطه من روايته. وخرجه أهل الصحيح وزاد فيه الحارث بن أسامة زيادة تساوي رِحلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وهي النخلة لا تسقط لها أنملة وكذلك المؤمن لا تسقط له دعوة ". فبيّن معنى الحديث والمماثلة. قلت: وذكر الغَزْنَويّ عنه عليه السلام: " مَثَلُ المؤمن كالنّخلة إن صاحبتَه نفعَك وإن جالستَه نفعَك وإن شاورتَه نفعك كالنخلة كل شيء منها ينتفع به "

السابقالتالي
2