الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

قوله تعالى: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي ملكاً وعبيداً وٱختراعاً وخلقاً. وقرأ نافع وٱبن عامر وغيرهما: «اللَّهُ» بالرفع على الابتداء «الَّذِي» خبره. وقيل: «الَّذي» صفة، والخبر مضمر أي الله الذي له ما في السموات وما في الأرض قادر على كل شيء. الباقون بالخفض نعتاً للعزيز الحميد فقدم النعت على المنعوت كقولك: مررت بالظريفِ زيدٍ. وقيل: على البدل من «الْحَمِيدِ» وليس صفة لأن اسم الله صار كالعلَم فلا يوصف كما لا يوصف بزيد وعمرو، بل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى لأن معناه أنه المنفرد بقدرة الإيجاد. وقال أبو عمرو: والخفض على التقديم والتأخير، مجازه: إلى صراط الله العزيز الحميد الذي له ما في السموات وما في الأرض. وكان يعقوب إذا وقف على «الْحَمِيدِ» رفع، وإذا وصل خفض على النعت. قال ٱبن الأنباري: من خفض وقف على { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }. قوله تعالى: { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } قد تقدّم معنى الويل في «البقرة» وقال الزجاج: هي كلمة تقال للعذاب والهَلَكة. «مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» أي في جهنم. { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي يختارونها على الآخرةِ، والكافرون يفعلون ذلك. فـ«ـالَّذِينَ» في موضع خفض صفة لهم. وقيل: في موضع رفع خبر ابتداء مضمر أي هم الذين. وقيل: { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ } مبتدأ وخبره. «أُولَئِكَ». وكل من آثر الدنيا وزهرتها، وٱستحب البقاء في نعيمها على النعيم في الآخرة، وصدّ عن سبيل الله ـ أي صرف الناس عنه وهو دين الله، الذي جاءت به الرسل، في قول ٱبن عباس وغيره ـ فهو داخل في هذه الآية وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إنّ أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلّون " وهو حديث صحيح. وما أكثر ما هم في هذه الأزمان، والله المستعان. وقيل: «يَسْتَحِبُّونَ» أي يلتمسون الدنيا من غير وجهها لأن نعمة الله لا تلتمس إلا بطاعته دون معصيته. { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي يطلبون لها زَيْغاً وميلاً لموافقة أهوائهم، وقضاء حاجاتهم وأغراضهم. والسبيل تذكّر وتؤنّث. والعِوج بكسر العين في الدّين والأمر والأرض، وفي كل ما لم يكن قائماً وبفتح العين في كل ما كان قائماً، كالحائط، والرُّمح ونحوه وقد تقدم في «آل عمران» وغيرها. { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي ذهاب عن الحق بعيد عنه.