الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } أي بعض من أوتي الكتاب يفرح بالقرآن، كابن سَلاَم وسَلْمان، والذين جاؤوا من الحبشة فاللفظ عام، والمراد الخصوص. وقال قَتَادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يفرحون بنور القرآن وقاله مجاهد وابن زيد. وعن مجاهد أيضاً أنهم مؤمنو أهل الكتاب. وقيل: هم جماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى يفرحون بنزول القرآن لتصديقه كتبهم. وقال أكثر العلماء: كان ذكر الرحمن في القرآن قليلاً في أوّل ما أنزل، فلما أسلم عبد الله بن سَلاَم وأصحابه ساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى:قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] فقالت قريش: ما بال محمد يدعو إلى إلٰه واحد فأصبح اليوم يدعو إلهين، الله والرحمنٰ والله ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مُسَيْلِمَة الكذّاب فنزلت:وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } [الأنبياء: 36]وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [الرعد: 30] ففرح مؤمنو أهل الكتاب بذكر الرحمن فأنزل الله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ } يعني مشركي مكة ومن لم يؤمن من اليهود والنصارى والمجوس. وقيل: هم العرب المتحزبون على النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: ومن أعداء المسلمين من ينكر بعض ما في القرآن لأن فيهم من كان يعترف ببعض الأنبياء، وفيهم من كان يعترف بأن الله خالق السموات والأرض. { قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ } قراءة الجماعة بالنصب عطفاً على «أعبد». وقرأ أبو خالد بالرفع على الاستئناف أي أفرده بالعبادة وحده لا شريك له، وأتبرّأ عن المشركين، ومن قال: المسيح ابن الله وعزير ابن الله، ومن اعتقد التشبيه كاليهود. { إِلَيْهِ أَدْعُو } أي إلى عبادته أدعو الناس. { وَإِلَيْهِ مَآبِ } أي أرجع في أموري كلها.