الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } لمّا بيّن آيات السّموات بيّن آيات الأرض أي بسط الأرض طولاً وعرضاً. { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } أي جبالاً ثوابت واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها، أي تثبت والإرساء الثّبوت قال عَنْتَرَة:
فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لذلك حُرَّةً   تَرْسُو إذا نَفْسُ الجَبَانِ تَطَلَّعُ
وقال جميل:
أُحِبُّها والذي أَرْسَى قواعِدَهُ   حُبًّا إذا ظَهَرَت آياتُه بَطَنَا
وقال ٱبن عباس وعطاء: أوّل جبل وُضع على الأرض أبو قُبَيس. مسألة: في هذه الآية ردّ على من زعم أن الأرض كالكرة، وردّ على من زعم أن الأرض تهوِي أبوابها عليها وزعم ابن الرَّاوندي أن تحت الأرض جسماً صَعَّاداً كالرِّيح الصعَّادة وهي منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجِرْم والقوّة فتوافقا. وزعم آخرون أن الأرض مركبة من جسمين، أحدهما منحدر، والآخر مصعد، فاعتدلا، فلذلك وقفت. والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدّها، وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. وقوله تعالى: { وَأَنْهَاراً } أي مياهاً جارية في الأرض، فيها منافع الخلق. { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } بمعنى صنفين. قال أبو عبيدة: الزوج واحد، ويكون ٱثنين. الفراء: يعني بالزوجين هاهنا الذكر والأنثى وهذا خلاف النص. وقيل: معنى «زَوْجَيْنٍ» نوعان، كالحُلْو والحامض، والرطب واليابس، والأبيض والأسود، والصغير والكبير. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } أي دلالات وعلامات { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.