الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله تعالى: { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } ٱستفهام بمعنى التذكير والتوبيخ، وهو الذي قال الله:لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } [يوسف: 15] الآية. { إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } دليل على أنهم كانوا صغاراً في وقت أخذهم ليوسف، غير أنبياء لأنه لا يوصف بالجهل إلا من كانت هذه صفته ويدلّ على أنه حسنت حالهم الآن أي فعلتم ذلك إذ أنتم صغار جهال قال معناه ابن عباس والحسن ويكون قولهم: «وَإنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ» على هذا، لأنهم كبروا ولم يخبروا أباهم بما فعلوا حياء وخوفاً منه. وقيل: جاهلون بما تؤول إليه العاقبة. والله أعلم. قوله تعالى: { قَالُوۤاْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } لما دخلوا عليهِ فقالوا: «مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ» فخضعوا له وتواضعوا رق لهم، وعرفهم بنفسه، فقال: «هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ» فتنبهوا فقالوا: «أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ» قاله ابن إسحق. وقيل: إن يوسف تبسّم فشبهوه بيوسف وٱستفهموا. قال ابن عباس لما قال لهم: { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ } الآية، ثم تبسم يوسف ـ وكان إذا تبسم كأنّ ثناياه اللؤلؤ المنظوم ـ فشبهوه بيوسف، فقالوا له على جهة الاستفهام: «أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ». وعن ابن عباس أيضاً: أن إخوته لم يعرفوه حتى وضع التاج عنه، وكان في قرنه علامة، وكان ليعقوب مثلها شِبْه الشامة، فلما قال لهم: { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ } رفع التاج عنه فعرفوه، فقالوا: «أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ». وقال ابن عباس: كتب يعقوب إليه يطلب ردّ ابنه، وفي الكتاب: من يعقوب صفيّ الله ابن إسحق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر ـ أما بعد ـ فإنّا أهل بيت بلاء ومِحَن، ابتلى الله جدّي إبراهيم بنمروذ وناره، ثم ابتلى أبي إسحق بالذبح، ثم ٱبتلاني بولد كان لي أحبّ أولادي إليّ حتى كُفَّ بصري من البكاء، وإني لم أسرق ولم ألِدْ سارقاً والسلام. فلما قرأ يوسف الكتاب ٱرتعدت مفاصله، واقشعرّ جلده، وأرخى عينيه بالبكاء، وعِيلَ صبره فباح بالسرّ. وقرأ ابن كثِير «إنَّكَ» على الخبر، ويجوز أن تكون هذه القراءة استفهاماً كقوله:وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } [الشعراء: 26]. { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ } أي أنا المظلوم والمراد قتله، ولم يقل أنا هو تعظيماً للقصة. { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } أي بالنجاة والملك. { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } أي يتق الله ويصبر على المصائب وعن المعاصي. { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي الصابرين في بلائه، القائمين بطاعته. وقرأ ٱبن كثِير: «إنَّهُ مَنْ يَتَّقيِ» بإثبات الياء والقراءة بها جائزة على أن تجعل «مَنْ» بمعنى الذي، وتدخل «يَتَّقيِ» في الصلة، فتثبت الياء لا غير، وترفع «ويصبر». وقد يجوز أن تجزم «ويصبر» على أن تجعل «يتقي» في موضع جزم و «من» للشرط، وتثبت الياء، وتجعل علامة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الأصل كما قال:

السابقالتالي
2 3