الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } أي الممتنع. { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } هذه المرة الثالثة من عودهم إلى مصر وفي الكلام حذف، أي فخرجوا إلى مصر، فلما دخلوا على يوسف قالوا: «مَسَّنَا» أي أصابنا «وَأَهْلَنَا الضُّرُّ» أي الجوع والحاجة وفي هذا دليل على جواز الشكوى عند الضُّر، أي الجوع بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضّر من الفقر وغيره أن يبدي حالته إلى من يرجو منه النفع كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه ولا يكون ذلك قدحاً في التوكل، وهذا ما لم يكن التشكِّي على سبيل التّسخط والصبر والتّجلد في النّوائب أحسن، والتّعفف عن المسألة أفضل وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى وذلك قول يعقوب: «إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنيِ إلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» أي من جميل صنعه، وغريب لطفه، وعائدته على عباده فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السّفه، إلا أن يكون على وجه البثّ والتّسلّي كما قال ٱبن دُرَيْد:
لاَ تَحْسَبَنْ يا دهرُ أنّي ضارِعٌ   لِنَكْبةٍ تَعْرِقُنيِ عَرْقَ الْمُدَى
مَارَسْت مَنْ لَوْ هوتِ الأفلاكُ مِنْ   جَوَانِبِ الجوِّ عليه ما شَكَا
لكنّها نَفْثَةُ مَصْدورٍ إذا   جَاشَ لُغَامٌ مِن نَوَاحِيَها غَمَا
قوله تعالى: { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ } البضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء تقول: أبضعت الشيء وٱستبضعته أي جعلته بضاعة وفي المثل: كمستبضع التمر إلى هَجَر. قوله تعالى: { مُّزْجَاةٍ } صفة لبضاعة والإزجاء السَّوْق بدفع ومنه قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } [النور: 43] والمعنى أنها بضاعة تدفع ولا يقبلها كل أحد. قال ثعلب: البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة. ٱختلف في تعيينها هنا فقيل: كانت قدِيداً وحيساً ذكره الواقديّ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقيل: خَلَقُ الغَرَائر والحبِال روي عن ابن عباس. وقيل: متاع الأعراب صوف وسمن قاله عبد الله بن الحارث. وقيل: الحبة الخضراء والصَّنَوبر وهو البُطْم، حبّ شجرٍ بالشام، يؤكل ويعصر الزيت منه لعمل الصابون، قاله أبو صالح فباعوها بدراهم لا تَنفُق في الطعام، وتَنْفق فيما بين الناس فقالوا: خذها منا بحساب جيادٍ تَنفُق في الطعام. وقيل: دراهم رديئة قاله ابن عباس أيضاً. وقيل: ليس عليها صورة يوسف، وكانت دراهم مصر عليها صورة يوسف. وقال الضحاك: النعال والأدم وعنه: كانت سوِيقا منخلاً. والله أعلم. قوله تعالى: { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ }. فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد لا تنقصنا بمكان دراهمنا هذا قول أكثر المفسرين. وقال ابن جريج: «فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ» يريدون الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم. { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } أي تفضل علينا بما بين سعر الجياد والرديئة.

السابقالتالي
2