الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } * { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ }

قوله تعالى: { قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } المعنى: أي ٱقتدى بأخيه، ولو ٱقتدى بنا ما سرق وإنما قالوا ذلك ليبرؤوا من فعله، لأنه ليس من أمهم وأنه إن سرق فقد جذبه عِرْق أخيه السّارق لأن الاشتراك في الأنساب يشاكل في الأخلاق. وقد ٱختلفوا في السرقة التي نسبوا إلى يوسف فروي عن مجاهد وغيره أن عمة يوسف بنت إسحق كانت أكبر من يعقوب، وكانت صارت إليها مِنْطقة إسحق لسنِّها لأنهم كانوا يتوارثون بالسنّ، وهذا مما نسِخ حكمه بشرعنا، وكان من سَرَق ٱستُعبِد. وكانت عمة يوسف حَضَنَتْه وأحبّته حبًّا شديداً فلما ترعرع وشَبَّ قال لها يعقوب: سلّمي يوسف إليّ، فلست أقدر أن يغيب عني ساعة فولعتْ به، وأشفقت من فراقه فقالت له: دعه عندي أياماً أنظر إليه فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنطَقة إسحق، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدتُ مِنْطقة إسحق، فانظروا مَن أخذها ومَن أصابها فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوا فوجدت مع يوسف. فقالت: إنه والله لي سلم أصنع فيه ما شئت ثم أتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذلك، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك فأمسكته حتى ماتت فبذلك عيّره إخوته في قولهم: «إنْ يَسْرِقْ فقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ». ومن هاهنا تعلّم يوسف وضع السقاية في رَحْلِ أخيه كما عملت به عمته. وقال سعيد بن جُبير: إنما أمرته أن يسرِق صنماً كان لجدّه أبي أمه، فسرقه وكسره وألقاه على الطريق، وكان ذلك منهما تغييراً للمنكر فرموه بالسرقة وعيّروه بها وقاله قتادة. وفي كتاب الزجّاج: أنه كان صنم ذهب. وقال عطية العَوْفي: إنه كان مع إخوته على طعام فنظر إلى عرق فخبأه فعيّروه بذلك. وقيل: إنه كان يسرِق من طعام المائدة للمساكين حكاه ٱبن عيسى. وقيل: إنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه قاله الحسن. قوله تعالى: { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } أي أسرّ في نفسه قولهم: «إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» قاله ابن شجرة وابن عيسى. وقيل: إنه أسرّ في نفسه قوله: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } ثم جهر فقال: { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ }. قاله ابن عباس، أي أنتم شر مكاناً ممن نسبتموه إلى هذه السرقة. ومعنى قوله «والله أعلم بما تصفون» أي الله أعلم أنّ ما قلتم كذب، وإن كانت لله رضا. وقد قيل: إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء. قوله تعالى: { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ } خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته.

السابقالتالي
2