الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }. البعير هنا الجمل في قول أكثر المفسرين. وقيل: إنه الحمار، وهي لغة لبعض العرب قاله مجاهد وٱختاره. وقال مجاهد: الزعيم هو المؤذن الذي قال: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ». والزعيم والكَفيل والحَمِيل والضّمين والقَبِيل سواء والزعيم الرئيس. قال:
وإنِّي زَعيمٌ إنْ رَجعتُ مُمَلَّكا   بِسَيْرٍ تَرَى مِنهُ الفُرَانِق أَزوَرَا
وقالت ليلى الأخيلية تَرثي أخاها:
ومُخَرَّقٍ عنهُ القميصُ تَخَالُهُ   يومَ اللِّقاءِ من الحياءِ سَقِيمَا
حَتَّى إذا رَفَعَ اللِّوَاءَ رأيتَهُ   تحتَ اللِّواءِ على الخَمِيِس زَعِيَما
الثانية: إن قيل: كيف ضمن حمل البعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح؟ قيل له: حمل البعير كان معيناً معلوماً عندهم كالوَسْق فصح ضمانه، غير أنه كان بدل مالٍ للسارق، ولا يحل للسارق ذلك، فلعله كان يصحّ في شرعهم أو كان هذا جعالة، وبذل مال لمن كان يفتّش ويطلب. الثالثة: قال بعض العلماء: في هذه الآية دليلان: أحدهما ـ جواز الجُعْل وقد أجيز للضرورة فإنه يجوز فيه من الجهالة ما لا يجوز في غيره فإذا قال الرجل: من فعل كذا فله كذا صح. وشأن الجُعْل أن يكون أحد الطرفين معلوماً والآخر مجهولاً للضرورة إليه بخلاف الإجارة فإنه يتقدّر فيها العوض والمعوض من الجهتين وهو من العقود الجائزة التي يجوز لأحدهما فسخه إلا أن المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع وبعده، إذا رضِي بإسقاط حقه، وليس للجاعل أن يفسخه إذا شرع المجعول له في العمل. ولا يشترط في عقد الجُعْل حضور المتعاقدين، كسائر العقود لقوله: { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } وبهذا كله قال الشافعي. الرابعة: متى قال الإنسان، من جاء بعبدي الآبق فله دينار لزمه ما جعله فيه إذا جاء به فلو جاء به من غير ضمان لزمه إذا جاء به على طلب الأجرة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من جاء بآبق فله أربعون درهماً " ولم يفصل بين من جاء به من عقد ضمان أو غير عقد. قال ٱبن خُوَيْزِ مَنْداد ولهذا قال أصحابنا: إن من فعل بالإنسان ما يجب عليه أن يفعله بنفسه من مصالحه لزمه ذلك، وكان له أجر مثله إن كان ممن يفعل ذلك بالأجر. قلت: وخالفنا في هذا كله الشافعي. الخامسة: ـ الدليل الثاني ـ جواز الكفالة على الرجل لأن المؤذن الضامن هو غير يوسف عليه السلام، قال علماؤنا: إذا قال الرجل تحمّلت أو تكفّلت أو ضمنت أو وأنا حَميل لك أو زعيم أو كَفيل أو ضامن أو قَبيل، أو هو لك عندي أو عليّ أو إليّ أو قِبَلي فذلك كله حَمَالة لازمة، وقد ٱختلف الفقهاء فيمن تكفل بالنفس أو بالوجه، هل يلزمه ضمان المال أم لا؟ فقال الكوفيون: من تكفّل بنفس رجل لم يلزمه الحق الذي على المطلوب إن مات وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه.

السابقالتالي
2