الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }

فيه سبع مسائل: الأولى: لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرَجُل واحد وكانوا أهل جَمال وكمال وبَسْطة قاله ابن عباس والضّحاك وقَتَادة وغيرهم. الثانية: إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرّز من العين، والعين حق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العين لتدخِل الرجل القبر والجمل القِدر ". وفي تعوّذه عليه السلام: " أعوذ بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامَّة " ما يدلّ على ذلك. وروى مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حُنيف بالخرّار فنزع جُبّة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عَذْراء! فوُعك سهل مكانه واشتدّ وَعْكه، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلاً وُعِك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عَلاَمَ يقتل أحدكم أخاه أَلاَ بَرَّكْت إنّ العين حق تَوضأْ له " فتوضأ عامر، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس في رواية «ٱغتسلْ» فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح ثم صبّ عليه فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس. وركب سعد بن أبي وَقّاص يوماً فنظرت إليه ٱمرأة فقالت: إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكَشْحين فرجع إلى منزله فسقط، فبلغه ما قالت المرأة، فأرسل إليها فغسلت له ففي هذين الحديثين أن العين حق، وأنها تقتل كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم وهذا قول علماء الأمّة، ومذهب أهل السنة وقد أنكرته طوائف من المبتدعة، وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه الأمّة، وبما يشاهد من ذلك في الوجود فكم من رجل أدخلته العين القبر، وكم من جمل ظهير أدخلته القِدر، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال:وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [البقرة: 102]. قال الأصمعي: رأيت رجلاً عَيُوناً سمع بقرة تحلب فأعجبه شَخْبها فقال: أيتهنّ هذه؟ فقالوا: الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها، فهلكتا جميعاً، المورَى بها والمورَي عنها. قال الأصمعيّ. وسمعته يقول: إذا رأيتُ الشيء يعجبني وجدتُ حرارة تخرج من عينيّ.

السابقالتالي
2