الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } * { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ } أي فذهب الرسول فأخبر الملك، فقال: ٱئتوني به { فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ } أي يأمره بالخروج قال: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ } أي حال النسوة. { ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } فأبى أن يخرج إلا أن تصحّ براءته عند الملك مما قُذِف به، وأنه حبس بلا جرم. وروى الترمذيّ عن أبي هُريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم ـ قال ـ ولو لبِثتُ في السجن ما لَبِث ثم جاءني الرسول أجبت ـ ثم قرأ ـ { فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ـ قال ـ ورحمةُ الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد إذ قال { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِىۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } فما بعث الله من بعده نبياً إلا في ذروة من قومه ". وروى البخاريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له: " أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة: 260] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يرحم الله أخي يوسف لقد كان صابراً حليماً ولو لبثت في السجن ما لبثه أجبت الداعيَ ولم ألتمس العُذْر ". وروي نحو هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، في كتاب التفسير من صحيح البخاري، وليس لابن القاسم في الديوان غيره. وفي رواية الطّبريّ: " يرحم الله يوسف لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليّ لخرجت سريعاً أَنْ كان لحليماً ذا أناة ". وقال صلى الله عليه وسلم: " لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات لو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ". قال ٱبن عطية: كان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبراً، وطلباً لبراءة الساحة وذلك أنه ـ فيما روي ـ خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحاً فيراه الناس بتلك العين أبداً ويقولون: هذا الذي راود ٱمرأة مولاه فأراد يوسف عليه السلام أن يبيّن براءته، ويحقّق منزلته من العفّة والخير وحينئذ يخرج للإحْظَاءِ والمنزلة فلهذا قال للرسول: ٱرجع إلى ربك وقل له ما بال النسوة، ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان: وقل له يستقصي عن ذنبي، وينظر في أمري هل سجنت بحق أو بظلم ونَكَب عن ٱمرأة العزيز حُسن عشرة، ورعاية لذِمام الملك العزيز له.

السابقالتالي
2