الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } أي يحتالوا في هلاكك لأن تأويلها ظاهر فربما يحملهم الشيطان على قصدك بسوء حينئذ. واللام في «لك» تأكيد، كقوله:إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 42]. الثانية: الرؤيا حالة شريفة، ومنزلة رفيعة قال صلى الله عليه وسلم: " لم يبق بعدي من المبشِّرات إلا الرؤيا الصالحة الصادقة يراها الرجل الصالح أو تُرى له " وقال: " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " وحكم صلى الله عليه وسلم بأنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة، وروي " من سبعين جزءاً من النبوّة " وروي من حديث ٱبن عباس رضي الله عنهما " جزءاً من أربعين جزءاً من النبوّة " ومن حديث ٱبن عمرو " جزء من تسعة وأربعين جزءاً " ومن حديث العباس " جزء من خمسين جزءاً من النبوّة " ومن حديث أنس " من ستة وعشرين " وعن عُبادة بن الصّامت: " من أربعة وأربعين من النبوّة " والصحيح منها حديث الستة والأربعين، ويتلوه في الصحة حديث السبعين ولم يخرّج مسلم في صحيحه غير هذين الحديثين، أما سائرها فمن أحاديث الشيوخ قاله ٱبن بَطّال. قال أبو عبد الله المازَريّ: والأكثر والأصح عند أهل الحديث " من ستة وأربعين " قال الطّبريّ: والصواب أن يقال إن عامة هذه الأحاديث أو أكثرها صحاح، ولكل حديث منها مخرج معقول فأما قوله: «إنها جزء من سبعين جزءاً من النبوّة» فإن ذلك قول عام في كل رؤيا صالحة صادقة، ولكل مسلم رآها في منامه على أي أحواله كان وأما قوله: «إنها من أربعين ـ أو ـ ستة وأربعين» فإنه يريد بذلك من كان صاحبها بالحال التي ذكرت عن الصدّيق ـ رضي الله عنه ـ أنه كان بها فمن كان من أهل إسباغ الوضوء في السَّبَرات، والصبر في الله على المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فرؤياه الصالحة ـ إن شاء الله ـ جزء من أربعين جزءاً من النبوّة، ومن كانت حاله في ذاته بين ذلك فرؤياه الصادقة بين جزءين ما بين الأربعين إلى الستين، لا تنقص عن سبعين، وتزيد على الأربعين وإلى هذا المعنى أشار أبو عمر بن عبد البر فقال: اختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي اختلاف متضاد متدافع ـ والله أعلم ـ لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والدِّين المتين، وحسن اليقين فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوّة أقرب: كما أن الأنبياء يتفاضلون قال الله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5