الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ } أي يا ساكني السجن وذكر الصحبة لطول مقامهما فيه، كقولك: أصحاب الجنة، وأصحاب النار. { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ } أي في الصغر والكبر والتوسط، أو متفرقون في العدد. { خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } وقيل: الخطاب لهما ولأهل السّجن، وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله تعالى، فقال ذلك إلزاماً للحجة أي آلهة شَتَّى لا تضر ولا تنفع. «خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» الذي قهر كل شيء. نظيره:آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } وقيل: أشار بالتفرق إلى أنه لو تعدّد الإله لتفرقوا في الإرادة ولعلا بعضهم على بعض، وبيّن أنها إذا تفرّقت لم تكن آلهة. قوله تعالى: { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً } بيّن عجز الأصنام وضعفها فقال: { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } أي من دون الله إلا ذوات أسماء لا معاني لها. { سَمَّيْتُمُوهَآ } من تلقاء أنفسكم. وقيل: عنى بالأسماء المسميات أي ما تعبدون إلا أصناماً ليس لها من الإلهية شيء إلا الاسم لأنها جمادات. وقال: «مَا تَعْبُدونَ» وقد ابتدأ بخطاب الاثنين لأنه قصد جميع من هو على مثل حالهما من الشّرك. { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } فحذف المفعول الثاني للدلالة والمعنى: سميتموها آلهةً من عند أنفسكم. { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } ذلك في كتاب. قال سعيد بن جُبير: { مِن سُلْطَانٍ } أي من حجة. { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } الذي هو خالق الكل. { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ }. { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ }. أي القويم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.