الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ } «فتيان» تثنية فتى وهو من ذوات الياء، وقولهم: الفُتُوّ شاذ. قال وهب وغيره: حمل يوسف إلى السجن مقيّداً على حمار، وطِيف به «هذا جزاء من يعصي سيدته» وهو يقول: هذا أيسر من مُقَطَّعات النِّيران، وسرابيل القَطِران، وشراب الحميم، وأكل الزّقوم. فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم فجعل يقول لهم: ٱصبروا وأبشروا تؤجروا فقالوا له: يا فتى! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك، من أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف ابن صفيّ الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحق، ابن خليل الله إبراهيم. وقال ٱبن عباس: لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني، وأنا أريد أن تسجنه، فسجنه في السجن فكان يُعزّي فيه الحزين، ويعود فيه المريض، ويداوي فيه الجريح، ويصلي الليل كله، ويبكي حتى تبكي معه جُدُر البيوت وسقفها والأبواب، وطهر به السجن، واستأنس به أهل السجن فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه، ثم قال له: يا يوسف! لقد أحببتك حبًّا لم أحبّ شيئاً حبك فقال: أعوذ بالله من حبك، قال: ولِمَ ذلك؟ فقال: أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خَبَّازه وصاحب شرابه، وذلك أن الملك عُمِّر فيهم فملّوه، فدسّوا إلى خَبّازه وصاحب شرابه أن يَسُمَّاه جميعاً، فأجاب الخبّاز وأبي صاحب الشَّراب، فانطلق صاحب الشّراب فأخبر الملك بذلك، فأمر الملك بحبسهما، فاستأنسا بيوسف، فذلك قوله: «وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ» وقد قيل: إن الخبّاز وضع السم في الطعام، فلما حضر الطعام قال السّاقي: أيها الملك! لا تأكل فإن الطعام مسموم. وقال الخبّاز: أيها الملك لا تشرب! فإن الشراب مسموم فقال الملك للساقي: ٱشرب! فشرب فلم يضرّه، وقال للخباز: كُلْ فأبى، فجرّب الطعام على حيوان فنفق مكانه، فحبسهما سنة، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف. وٱسم الساقي منجا، والآخر مجلث ذكره الثعلبيّ عن كعب. وقال النقاش: اسم أحدهما شرهم، والآخر سرهم الأوّل بالشين المعجمة، والآخر بالسين المهملة. وقال الطّبريّ: الذي رأى أنه يعصر خمراً هو نبو، قال السّهيليّ: وذكر ٱسم الآخر ولم أقيده. وقال «فتيان» لأنهما كانا عبدين، والعبد يسمّى فتى، صغيراً كان أو كبيراً ذكره الماورديّ. وقال القُشَيريّ: ولعلّ الفتى كان اسماً للعبد في عرفهم ولهذا قال: «تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ». ويحتمل أن يكون الفتى اسماً للخادم وإن لم يكن مملوكاً. ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه.

السابقالتالي
2 3