الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

وروى محبوب عن أبي عمرو «من قُبْلٍ» «ومن دُبْرٍ» مخفّفان مجروران. قوله تعالى: { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ } قيل: قال لها ذلك العزيز عند قولها: «مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً». وقيل: قاله لها الشاهد. والكيد: المكر والحيلة، وقد تقدّم في «الأنفال». { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } وإنما قال «عَظِيمٌ» لعظم فتنتهنّ وٱحتيالهنّ في التخلّص من ورطتهنّ. وقال مقاتل عن يحيـى بن أبي كثير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان لأن الله تعالى يقول: { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } [النساء: 76] وقال: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ". قوله تعالى: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } القائل هذا هو الشاهد. و«يوسف» نداء مفرد، أي يا يوسف، فحذف. «أَعْرِضْ عَنْ هَذَا» أي لا تذكره لأحد وٱكتمه. ثم أقبل عليها فقال: وأنتِ { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } يقول: استغفري زوجك من ذنبك لا يعاقبك. { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } ولم يقل من الخاطئات لأنه قصد الإخبار عن المذكر والمؤنث، فغلّب المذكر والمعنى: من الناس الخاطئين، أو من القوم الخاطئين مثل:إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } [النمل: 43]وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } [التحريم: 12]. وقيل: إن القائل ليوسف ٱعرض ولها ٱستغفري زوجُها الملك وفيه قولان: أحدهما: أنه لم يكن غيوراً فلذلك كان ساكناً. وعدم الغيرة في كثير من أهل مصر موجود. الثاني: أن الله تعالى سلبه الغيرة وكان فيه لطف بيوسف حتى كُفي بادرته وعفا عنها.

PreviousNext
1 2