الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

قوله تعالى: { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ }. فيه ثلاث مسائل: الأولى: قال العلماء: لما برّأت نفسها ولم تكن صادقة في حبه ـ لأن من شأن المحبّ إيثار المحبوب ـ قال: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } نطق يوسف بالحق في مقابلة بهتها وكذبها عليه. قال نُوفٌ الشاميّ وغيره: كأنّ يوسف عليه السلام لم يَبِن عن كشف القضية، فلما بَغَت به غضب فقال الحق. الثانية: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ } لأنهما لما تعارضا في القول ٱحتاج الملك إلى شاهد ليعلم الصادق من الكاذب، فشهد شاهد من أهلها، أي حكم حاكم من أهلها لأنه حكم منه وليس بشهادة. وقد ٱختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة: الأوّل ـ أنه طفل في المهد تكلم قال السّهيلي: وهو الصحيح للحديث الوارد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة " وذكر فيهم شاهد يوسف. وقال القُشيريّ أبو نصر: قيل فيه: كان صبياً في المهد في الدار وهو ٱبن خالتها وروى سعيد بن جُبير عن ٱبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تكلم أربعة وهم صغار " فذكر منهم شاهد يوسف فهذا قول. الثاني ـ أن الشاهد قَدُّ القميص رواه ٱبن أبي نَجيح عن مجاهد، وهو مجاز صحيح من جهة اللغة فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات وتخبر عنها بما هي عليه من الصفات، وذلك كثير في أشعارها وكلامها ومن أحلاه قول بعضهم: قال الحائط للوتد لِمَ تَشقُّني؟ قال له: سَلْ من يَدقُّني. إلا أن قول الله تعالى بعد «مِنْ أَهْلِهَا» يبطل أن يكون القميص. الثالث ـ أنه خَلْق من خلق الله تعالى ليس بإنسي ولا بجنّيّ قاله مجاهد أيضاً، وهذا يرده قوله تعالى: «مِنْ أَهْلِهَا». الرابع ـ أنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره في أموره، وكان من جملة أهل المرأة، وكان مع زوجها فقال: قد سمعت الاستدبار والجَلَبة من وراء الباب، وشق القميص، فلا يدرى أيكما كان قدّام صاحبه فإن كان شقّ القميص من قدّامه فأنتِ صادقة، وإن كان من خلفه فهو صادق فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق من خلف هذا قول الحسن وعِكرمة وقتادة والضّحاك ومجاهد أيضاً والسدّي. قال السدّي: كان ابن عمها وروي عن ابن عباس، وهو الصحيح في الباب، والله أعلم. وروي عن ابن عباس ـ رواه عنه إسرائيل عن سِماك عن عِكرمة ـ قال: كان رجلاً ذا لحية. وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال: كان من خاصة الملك.

السابقالتالي
2 3