الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

قوله تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } وهي ٱمرأة العزيز، طلبت منه أن يواقعها. وأصل المراودة الإرادة والطلب برفق ولين. والرَّوْد والرِّياد طلب الكلأ وقيل: هي من رويد يقال: فلان يمشي رُوَيْداً، أي برفق فالمراودة الرفق في الطلب يقال في الرجل: راودها عن نفسها، وفي المرأة راودته عن نفسه. والرّود التأنِّي يقال: أرْوَدَني أمهلني. { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } غلّق للكثير، ولا يقال: غَلَق البابَ وأَغلقَ يقع للكثير والقليل كما قال الفَرَزْدق في أبي عمرو بن العلاء:
ما زلتُ أُغلق أبواباً وأفتحُهَا   حتى أتيتُ أبا عمرو بن عمّارِ
يقال: إنها كانت سبعة أبواب غلّقتها ثم دعته إلى نفسها. { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي هَلُمَّ وأقْبِلْ وتَعالَ ولا مصدر له ولا تصريف. قال النحاس: فيها سبع قراءات فمن أجلّ ما فيها وأصحّه إسناداً ما رواه الأعمش عن أبي وائِل قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ «هَيْتَ لَكَ» قال فقلت: إن قوماً يقرؤونها «هِيتَ لك» فقال: إنما أقرأ كما عُلّمت. قال أبو جعفر: وبعضهم يقول عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد ذلك لأن قوله: إنما أقرأ كما علّمت يدلّ على أنه مرفوع، وهذه القراءة بفتح التاء والهاء هي الصحيحة من قراءة ٱبن عباس وسعيد بن جُبير والحسن ومجاهد وعكرمة وبها قرأ أبو عمرو بن العلاء وعاصم والأعمش وحمزة والكسائيّ. قال عبد الله بن مسعود: لا تقطعوا في القرآن فإنما هو مثل قول أحدكم: هَلمّ وتَعالَ. وقرأ ٱبن أبي إسحق النحوي «قَالَتْ هَيْتِ لَكَ» بفتح الهاء وكسر التاء. وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَميّ وٱبن كثير «هَيْتُ لَكَ» بفتح الهاء وضم التاء قال طَرَفة:
ليس قوميِ بالأبْعَدِين إذا ما   قال داعٍ من العَشيرة هَيْتُ
فهذه ثلاث قراءات الهاء فيهنّ مفتوحة. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع «وَقَالَتْ هِيتَ لَكَ» بكسر الهاء وفتح التاء. وقرأ يحيـى بن وثّاب «وَقَالَت هِيْتُ لَكَ» بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة والتاء مضمومة. ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومجاهد وعكرمة: «وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ» بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة والتاء مضمومة. وعن ابن عامر وأهل الشام: «وَقَالَتْ هِئْتَ» بكسر الهاء وبالهمزة وبفتح التاء قال أبو جعفر: «هئْتَ لَكَ» بفتح التاء لالتقاء الساكنين، لأنه صوت نحو مَهْ وصَهْ يجب ألاّ يعرب، والفتح خفيف لأن قبل التاء ياء مثل أيْنَ وكيفَ ومَن كسر التاء فإنما كسرها لأن الأصل الكسر لأن الساكن إذا حرّك حرّك إلى الكسر، ومن ضم فلأن فيه معنى الغاية أي قالت: دعائي لك، فلما حذفت الإضافة بني على الضم مثل حيثُ وبعدُ. وقراءة أهل المدينة فيها قولان: أحدهما ـ أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين كما مرّ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6