الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَشَرَوْهُ } يقال: شريت بمعنى ٱشتريت، وشريت بمعنى بعت لغة قال الشاعر:
وشَريْتُ بُرْداً لَيْتَنِي   مِن بَعْدِ بُرْدٍ كنتُ هَامَهُ
أي بعت. وقال آخر:
فلما شَرَاها فاضتِ العينُ عَبرةً   وفي الصَّدرِ حُزَّازٌ من اللَّوْمِ حَامِزُ
{ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أي نقص وهو هنا مصدر وضع موضع الاسم أي باعوه بثمن مبخوس، أي منقوص. ولم يكن قصد إخوته ما يستفيدونه من ثمنه، وإنما كان قصدهم ما يستفيدونه من خلوّ وجه أبيهم عنه. وقيل: إن يهوذا رأى من بعيد أن يوسف أخرج من الجبّ فأخبر إخوته فجاؤوا وباعوه من الواردة. وقيل: لاٰ بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرّفون الخبر، فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا: هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم. وقال قتادة: «بَخْسٍ» ظلم. وقال الضّحاك ومقاتل والسُّدي وابن عطاء: «بَخْسٍ» حرام. وقال ابن العربي: ولا وجه له، وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة لأن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه، وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلوّ وجه أبيهم عنه وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطَعاً أو قالوا لأصحابهم: أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يُعطُوا عنه ثمناً وأنّ ما أخذوا فيه ربح كلّه. قلت: قوله «وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة» يدلّ على أنهم لو أخذوا القيمة فيه كاملة كان ذلك جائزاً وليس كذلك فدلّ على صحة ما قاله السُّديّ وغيره لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها، فلذلك كان لا يحلّ لهم ثمنه. وقال عِكرمة والشّعبي: قليلٍ. وقال ابن حيان: زَيْف. وعن ٱبن عباس وٱبن مسعود باعوه بعشرين درهماً أخذ كل واحد من إخوته درهمين، وكانوا عشرة وقاله قتادة والسّديّ. وقال أبو العالية ومقاتل: اثنين وعشرين درهماً، وكانوا أحد عشر أخذ كل واحد درهمين وقاله مجاهد. وقال عِكرمة: أربعين درهماً وما روي عن الصحابة أولى. و «بخسٍ» من نعت «ثمنٍ». { دَرَاهِمَ } على البدل والتفسير له. ويقال: دراهيم على أنه جمع دِرهام، وقد يكون اسماً للجمع عند سيبويه، ويكون أيضاً عنده على أنه مدّ الكسرة فصارت ياء، وليس هذا مثل مدّ المقصور لأن مدّ المقصور لا يجوز عند البصريين في شعر ولا غيره. وأنشد النحويون:
تَنْفِي يداها الحَصَى في كلِّ هاجِرةٍ   نَفْيَ الدّراهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ
{ مَعْدُودَةٍ } نعت وهذا يدل على أن الأثمان كانت تجري عندهم عدّاً لا وزناً بوزن. وقيل: هو عبارة عن قلة الثمن لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما كان دون الأوقِية، وهي أربعون درهماً. الثانية: قال القاضي ابن العربي: وأصل النقدين الوزن قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2