الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

فيه تسع مسائل: الأولى: روى النسائيّ " عن عقبة بن عامر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني سورة هُودٍ أقرئني سورة يوسف. فقال لي: «ولَنْ تَقْرأ شيئاً أبلغ عند الله من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } » " وعنه قال: " بينا أنا أسير مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الجحْفَة والأَبواءِ، إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بـ { ـأَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، ويقول:«يا عقبة، تعوّذ بهما، فما تعوّذ متعوّذ بمثلهما». قال: وسمعته يقرأ بهما في الصلاة " وروى النَّسائي " عن عبد الله قال: أصابنا طَشٌّ وظُلْمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخْرج. ثم ذكر كلاماً معناه: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُصلِّيَ بنا، فقال:«قُلْ». فقلت: ما أقول؟ قال: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاثاً، يكفِك كل شيء» " " وعن عقبة بن عامر الجُهَنِي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قُلْ». قلت: ما أقول؟ قال «قل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ـ فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ـ لم يتعوّذ الناس بمثلهن، أو لا يتعوّذ الناس بمثلِهِن» " وفي حديث ابن عباس: " قل أَعوذ بِرب الفلقِ وقُلْ أَعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، هاتين السورتين " وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمُعَوذَّتَيْن ويَنْفِثُ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاءَ بركتها. النَّفْث: النفخ ليس معه ريق. الثانية: ثبت في الصحيحين من حديث عائشة: " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سحره يهوديّ من يهود بني زُرَيْق، يقال له لَبِيدُ بن الأَعْصم، حتى يخيلُ إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث ـ في غير الصحيح: سنة ـ ثم قال: «يا عائشة، أُشْعرت، أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه. أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رِجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي: ما شأن الرجل؟ قال: مَطْبوب. قال ومَنْ طَبَّهُ؟ قال لَبيد بن الأَعصم. قال في ماذا؟ قال: في مُشْطٍ ومُشاطة وجفّ طلعةٍ ذكر، تحت راعوفة في بئر ذي أَوْران» فجاء البئر واستخرجه " انتهى الصحيح. وقال ابن عباس: " أما شَعَرْتِ يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي» ثم بعث علِياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة ـ صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح، وأخرجوا الجُفّ، فإذا مُشَاطة رأس إنسان، وأسنان من مُشْط، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فأنزل الله تعالى هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العُقْد، وأمر أن يُتَعَوَّذ بهما فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد النبيّ صلى الله عليه وسلم خِفّة، حتى انحلت العقدة الأخيرة، فكأنما أُنشِط من عِقال، وقال: ليس به بأس. وجعل جبريل يَرْقِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «باسم الله أَرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسدٍ وعَيْن، والله يَشْفِيك». فقالوا: يا رسول الله، ألا نقتل الخبيث. فقال: «أمّا أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثيرَ على الناس شَرًّا "

السابقالتالي
2 3 4 5