الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } * { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } * { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }

قوله تعالى: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أي وأرسلنا إلى مدين، ومدين هم قوم شعيب. وفي تسميتهم بذلك قولان: أحدهما ـ أنهم بنو مدين بن إبراهيم فقيل: مدين والمراد بنو مدين. كما يقال مُضَر والمراد بنو مُضَر. الثاني ـ أنه ٱسم مدينتهم، فنسبوا إليها. قال النحاس: لا ينصرف مدين لأنه ٱسم مدينة وقد تقدّم في «الأعراف» هذا المعنى وزيادة. { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تقدّم. { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، وٱستوفوا بغاية ما يَقدِرون عليه وظلموا وإن جاءهم مشتَرٍ للطعام باعوه بكيل ناقص، وشحّحوا له بغاية ما يقدِرون فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك، وبالوفاء نهياً عن التطفيف. { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } أي في سَعة من الرزق، وكثرة من النِّعم. وقال الحسن: كان سعرهم رخيصاً. { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } وصف اليوم بالإحاطة، وأراد وصف ذلك اليوم بالإحاطة بهم فإن يوم العذاب إذا أحاط بهم فقد أحاط العذاب بهم، وهو كقولك: يوم شديد أي شديد حرّه. وٱختلف في ذلك العذاب فقيل: هو عذاب النار في الآخرة. وقيل: عذاب الاستئصال في الدنيا. وقيل: غلاء السعر روي معناه عن ٱبن عباس. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ٱبتلاهم الله بالقحط والغلاء " وقد تقدّم. قوله تعالى: { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن التطفيف تأكيداً. والإيفاء الإتمام. «بالقسطِ» أي بالعدل والحق، والمقصود أن يصل كل ذي نصيب إلى نصيبه وليس يريد إيفاء المكيل والموزون لأنه لم يقل: أوفوا بالمكيال وبالميزان بل أراد ألا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود، وكذا الصنجات. { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } أي لا تنقصوهم مما ٱستحقوه شيئاً. { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } بيّن أن الخيانة في المكيال والميزان مبالغة في الفساد في الأرض، وقد مضى في «الأعراف» زيادة لهذا، والحمد لله. قوله تعالى: { بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي ما يبقيه الله لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة، وأحمد عاقبة مما تبقونه أنتم لأنفسكم من فضل التطفيف بالتجبّر والظلم قال معناه الطبريّ وغيره. وقال مجاهد: { بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } يريد طاعته. وقال الرّبيع: وصية الله. وقال الفرّاء: مراقبة الله. ابن زيد: رحمة الله. قتادة والحسن: حظكم من ربكم خير لكم. وقال ابن عباس: رزق الله خير لكم. { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } شرط هذا لأنهم إنما يعرفون صحة هذا إن كانوا مؤمنين. وقيل: يحتمل أنهم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم فخاطبهم بهذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6