الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

قوله تعالى: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } اللام في { لَئِنْ } للقسم، والجواب { لَيَقُولُنَّ }. ومعنى { إلَى أُمَّةٍ } إلى أَجل معدود وحين معلوم فالأمّة هنا المدّة قاله ٱبن عباس ومجاهد وقَتَادة وجمهور المفسّرين. وأصل الأمّة الجماعة فعبّر عن الحين والسنين بالأمّة لأن الأمّة تكون فيها. وقيل: هو على حذف المضاف والمعنى إلى مجيء أمّة ليس فيها من يؤمن فيستحقون الهلاك. أو إلى ٱنقراض أمّة فيها من يؤمن فلا يبقى بعد ٱنقراضها من يؤمن. والأمّة ٱسم مشترك يقال على ثمانية أوجه: فالأمّة تكون الجماعة كقوله تعالى:وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [القصص: 23]. والأمّة أيضاً أتباع الأنبياء عليهم السلام. والأمّة الرجل الجامع للخير الذي يُقتدى به كقوله تعالى:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } [النحل: 120]. والأمّة الدِّين والمِلّة كقوله تعالى:إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [الزخرف: 23]. والأمة الحين والزمان كقوله تعالى: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } وكذلك قوله تعالى:وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [يوسف: 45] والأمّة القامة، وهو طول الإنسان وارتفاعه يقال من ذلك: فلان حسن الأُمَّة أي القامة. والأمّة الرجل المنفرد بدينه وحده لا يُشْرِكُه فيه أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يُبَعث زيدُ بن عمرو بن نُفَيْل أمّة وحده ". والأمة الأم يقال: هذه أمّة زيد، يعني أمّ زيد. { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } يعني العذاب وقالوا هذا إما تكذيباً للعذاب لتأخره عنهم، أو استعجالاً وٱستهزاء أي ما الذي يحبسه عنا. { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } قيل: هو قتل المشركين ببدر وقتل جبريل المستهزئين على ما يأتي. { وَحَاقَ بِهِم } أي نزل وأحاط. { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } أي جزاء ما كانوا به يستهزئون، والمضاف محذوف.