الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } * { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } أي الخوف يقال: ارتاع من كذا إذا خاف قال النابغة:
فارتاعَ من صَوْتِ كَلاَّب فبات لهُ   طوعَ الشَّوامِتِ من خوفٍ ومن صَرَدِ
{ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ } أي بإسحق ويعقوب. وقال قَتَادة: بشروه بأنهم إنما أتوا بالعذاب إلى قوم لوط، وأنه لا يخاف. { يُجَادِلُنَا } أي يجادل رسلنا، وأضافه إلى نفسه، لأنهم نزلوا بأمره. وهذه المجادلة رواها حُميد بن هلال عن جُنْدب عن حُذَيفة وذلك أنهم لما قالوا: { إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } [العنكبوت: 31] قال لهم: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا. قال: فأربعون؟ قالوا: لا. قال: فثلاثون؟ قالوا: لا قال: فعشرون؟ قالوا: لا. قال: فإن كان فيها عشرة ـ أو خمسة شك حميد ـ قالوا: لا. قال قَتَادة: نحواً منه قال فقال يعني إبراهيم: قوم ليس فيهم عشرة من المسلمين لا خير فيهم. وقيل إن إبراهيم قال: أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا. فقال إبراهيم عند ذلك:إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [العنكبوت: 32]. وقال عبد الرحمن بن سَمُرة: كانوا أربعمائة ألف. ٱبن جُريج. وكان في قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف. ومذهب الأخفش والكسائيّ أنّ «يجادلنا» في موضع «جادلنا». قال النحاس: لما كان جواب «لمّا» يجب أن يكون بالماضي جعل المستقبل مكانه كما أن الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه. وفيه جواب آخر ـ أن يكون «يجادلنا» في موضع الحال أي أقبل يجادلنا وهذا قول الفرّاء. { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } تقدّم في «براءة» معنى «لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ». والمنيب الراجع يقال: أناب إذا رجع. وإبراهيم صلى الله عليه وسلم كان راجعاً إلى الله تعالى في أموره كلها. وقيل: الأوّاه المتأوّه أسفاً على ما قد فات قوم لوط من الإيمان. قوله تعالى: { يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } أي دع عنك الجدال في قوم لوط. { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ } أي عذابه لهم. { وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ } أي نازل بهم. { عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } أي غير مصروف عنهم ولا مدفوع.