الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } هذه قصة لوط عليه السلام، وهو ٱبن عم إبراهيم عليه السلام لَحًّا، وكانت قرى لوط بنواحي الشام، وإبراهيم ببلاد فلسطين، فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده، وكان كل من نزل عنده يحسن قِراه، وكانوا مروا ببشارة إبراهيم، فظنهم أضيافاً. وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام قاله ٱبن عباس. الضحّاك: كانوا تسعة. السّدي: أحد عشر ملَكاً على صورة الغلمان الحسان الوجوه، ذوو وضاءة وجمال بارع. «بِالْبُشْرَى» قيل: بالولد. وقيل: بإهلاك قوم لوط. وقيل: بشروه بأنهم رسل الله عزّ وجلّ، وأنه لا خوف عليه. { قَالُواْ سَلاَماً } نصب بوقوع الفعل عليه كما تقول: قالوا خيراً. وهذا ٱختيار الطبريّ. وأما قوله:سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ } [الكهف: 22] فالثلاثة ٱسم غير قول مقول. ولو رفعا جميعاً أو نصبا جميعاً { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } جاز في العربية. وقيل: ٱنتصب على المصدر. وقيل: «قالوا سلاماً» أي فاتحوه بصواب من القول. كما قال:وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً } [الفرقان:63] أي صواباً فسلاماً معنى قولهم لا لفظه قال معناه ٱبن العربيّ وٱختاره. قال: ألا ترى أن الله تعالى لما أراد ذكر اللفظ قاله بعينه فقال مخبراً عن الملائكة:سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } [الرعد: 24]سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ } [الزمر: 73]. وقيل: دَعَوا له والمعنى سَلِمت سَلاماً. { قَالَ سَلاَمٌ } في رفعه وجهان: أحدهما: على إضمار مبتدأ أي هو سلام، وأمرِي سلام. والآخر بمعنى سلام عليكم إذا جعل بمعنى التحية فأضمر الخبر. وجاز سلام على التنكير لكثرة استعماله، فحذف الألف واللام كما حذفت من لاهمّ في قولك اللهم. وقرىء «سِلْمٌ» قال الفرّاء: السّلم والسّلام بمعنى مثل الحِلّ والحلال. قوله تعالى: { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } فيه أربع عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ } «أن» بمعنى حتى، قاله كبراء النحويين حكاه ٱبن العربيّ. التقدير: فما لبث حتى جاء. وقيل: «أن» في موضع نصب بسقوط حرف الجر التقدير: فما لبث عن أن جاء أي ما أبطأ عن مجيئه بعجل فلما حذف حرف الجر بقي «أن» في محل النصب. وفي «لبث» ضمير ٱسم إبراهيم. و«ما» نافية قاله سيبويه. وقال الفراء: فما لبث مجيئه أي ما أبطأ مجيئه فأن في موضع رفع، ولا ضمير في «لبث»، و«ما» نافية ويصح أن تكون «ما» بمعنى الذي، وفي «لبث» ضمير إبراهيم و«أن جاء» خبر «ما» أي فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ. و { حَنِيذٍ } مشويّ. وقيل: هو المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار. يقال حنذت الشاة أحنِذها حنذاً أي شويتها، وجعلت فوقها حجارة مُحْمَاة لتنضجها فهي حنيذ. وحَنَذْت الفرس أحنِذه حَنْذاً، وهو أن تحُضِره شوطا أو شوطين ثم تُظاهِر عليه الجِلال في الشمس ليعرَق، فهو محنوذ وحنِيذ فإن لم يعرق قيل: كَبَا.

السابقالتالي
2 3 4 5