الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } * { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

قوله تعالى: { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } أي كنا نرجو أن تكون فينا سيّداً قبل هذا أي قبل دعوتك النبوّة. وقيل: كان صالح يعيب آلهتهم ويشنؤها، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم، فلما دعاهم إلى الله قالوا: ٱنقطع رجاؤنا منك. { أَتَنْهَانَآ } استفهام معناه الإنكار. { أَن نَّعْبُدَ } أي عن أن نعبد. { مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } فأن في محل نصب بإسقاط حرف الجر. { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ } وفي سورة «إبراهيم» «وَإِنَّا» والأصل وإنّنا فاستثقل ثلاث نونات فأسقط الثالثة. { مِّمَّا تَدْعُونَآ } الخطاب لصالح، وفي سورة «إبراهيم» «تَدْعُونَنَا» لأن الخطاب للرسل صلوات الله وسلامه عليهم { إِلَيْهِ مُرِيبٍ } من أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعلاً يوجب لديه الريبة. قال الهذلي:
كنتُ إذا أتوتُهُ من غَيْبِ   يَشُمُّ عِطْفِي ويَبُزُّ ثَوْبِي
كأنّمـا أربتُـه بِرَيْـبِ   
قوله تعالى: { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } تقدّم معناه في قول نوح. { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } استفهام معناه النفي أي لا ينصرني منه إن عصيته أحد. { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } أي تضليل وإبعاد من الخير قاله الفرّاء. والتخسير لهم لا له صلى الله عليه وسلم كأنه قال: غير تخسير لكم لا لي. وقيل: المعنى ما تزيدونني باحتجاجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم عن ابن عباس. قوله تعالى: { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ } ابتداء وخبر. { لَكُمْ آيَةً } نصب على الحال، والعامل معنى الإشارة أو التنبيه في «هَذِهِ». وإنما قيل: ناقة الله لأنه أخرجها لهم من جبل ـ على ما طلبوا ـ على أنهم يؤمنون. وقيل: أخرجها من صخرة صمّاء منفردة في ناحيةِ الحجر يقال لها الكاثبة، فلما خرجت الناقة ـ على ما طلبوا ـ قال لهم نبي الله صالح: { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً }. { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ } أمر وجوابه وحذفت النون من «فذروها» لأنه أمر. ولا يقال: وَذِرَ ولا وَاذِرٌ إلا شاذّاً. وللنحويين فيه قولان قال سيبويه: استغنوا عنه بتَركَ. وقال غيره: لما كانت الواو ثقيلة وكان في الكلام فِعل بمعناه لا واو فيه ألغوه قال أبو إسحاق الزّجاج: ويجوز رفع «تَأكل» على الحال والاستئناف. { وَلاَ تَمَسُّوهَا } جزم بالنهي. { بِسُوۤءٍ } قال الفرّاء: بعَقْر. { فَيَأْخُذَكُمْ } جواب النهي. { عَذَابٌ قَرِيبٌ } أي قريب من عَقْرِها. قوله تعالى: { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ }. فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { فَعَقَرُوهَا } إنما عقرها بعضهم وأضيف إلى الكل لأنه كان برضا الباقين. وقد تقدّم الكلام في عقرها في «الأعراف». ويأتي أيضاً. { فَقَالَ تَمَتَّعُواْ } أي قال لهم صالح تمتعوا أي بنعم الله عزّ وجلّ قبل العذاب. { فِي دَارِكُمْ } أي في بلدكم، ولو أراد المنزل لقال في دوركم.

السابقالتالي
2