الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا } أي قالت له الملائكة، أو قال الله تعالى له: ٱهبط من السفينة إلى الأرض، أو من الجبل إلى الأرض فقد ٱبتلعت الماء وجفّت. «بِسَلاَمٍ مِنَّا» أي بسلامة وأمن. وقيل: بتحية. { وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ } أي نعم ثابتة مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته وإقامته. ومنه البِركة لثبوت الماء فيها. وقال ٱبن عباس رضي الله عنهما: نوح آدم الأصغر، فجميع الخلائق الآن من نسله، ولم يكن معه في السفينة من الرجال والنساء إلا من كان من ذريته على قول قَتَادة وغيره، حسب ما تقدّم وفي التنزيلوَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } [الصافات: 77]. { وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } قيل: دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة. ودخل في قوله: { وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } كل كافر إلى يوم القيامة رُوي ذلك عن محمد بن كعب. والتقدير على هذا: وعلى ذرية أمم ممن معك، وذرية أمم سنمتعهم. وقيل: «مِن» للتبعيض، وتكون لبيان الجنس. «وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ» ارتفع «وَأُمَمٌ» على معنى وتكون أمم. قال الأخفش سعيد كما تقول: كلمت زيداً وعمرو جالس. وأجاز الفراء في غير القراءة وأمماً، وتقديره: ونمتّع أمماً. وأعيدت «على» مع «أُمَمٌ» لأنه معطوف على الكاف من «عَلَيْكَ» وهي ضمير المجرور، ولا يعطف على ضمير المجرور إلا بإعادة الجار على قول سيبويه وغيره. وقد تقدّم في «النساء» بيان هذا مستوفى في قوله تعالى:وَٱتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ } [النساء:1] بالخفض. والباء في قوله: «بِسَلاَمٍ» متعلقة بمحذوف لأنها في موضع الحال أي ٱهبط مسلَّماً عليك. و«مِنَّا» في موضع جر متعلق بمحذوف لأنه نعت للبركات. «وَعَلَى أُمَمٍ» متعلق بما تعلق به«عَلَيْكَ» لأنه أعيد من أجل المعطوف على الكاف. و«من» في قوله: «مِمَّنْ مَعَكَ» متعلق بمحذوف لأنه في موضع جر نعت للأمم. و«مَعَكَ» متعلق بفعل محذوف لأنه صلة «لمن» أي ممن ٱستقر معك، أو آمن معك، أو ركب معك.