الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } أي دعاه. { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي } أي من أهلي الذين وعدتهم أن تنجيهم من الغرق ففي الكلام حذف. { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } يعني الصدق. وقال علماؤنا: وإنما سأل نوح ربه ٱبنه لقوله: «وَأَهْلَكَ» وترك قوله: { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } فلما كان عنده من أهله قال: { رَبِّ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي } يدلّ على ذلك قوله: { وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } أي لا تكن ممن لست منهم لأنه كان عنده مؤمناً في ظنه، ولم يك نوح يقول لربه: «إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي» إلا وذلك عنده كذلك إذا محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم وكان ٱبنه يُسِرّ الكفر ويظهر الإيمان فأخبر الله تعالى نوحاً بما هو منفرد به من علم الغيوب أي علمت من حال ٱبنك ما لم تعلمه أنت. وقال الحسن: كان منافقاً ولذلك ٱستحل نوح أن يناديه. وعنه أيضاً: كان ٱبن ٱمرأته دليله قراءة عليّ «وَنَادَى نُوحٌ ٱبْنَهَا». { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } ابتداء وخبر. أي حكمت على قوم بالنجاة، وعلى قوم بالغرق. الثانية: قوله تعالى: { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم قاله سعيد بن جُبير. وقال الجمهور: ليس من أهل دينك ولا ولايتك فهو على حذف مضاف وهذا يدلّ على أن حكم الاتفاق في الدِّين أقوى من حكم النسب. { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } قرأ ٱبن عباس وعُروة وعِكرمة ويعقوب والكسائيّ «إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ» أي من الكفر والتكذيب وٱختاره أبو عبيد. وقرأ الباقون «عَمَلٌ» أي ٱبنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف قاله الزجاج وغيره. قال:
تَرْتَعُ ما رَتَعتْ حتَّى إذا ادَّكَرتْ   فَإنما هي إقبالٌ وإدبار
أي ذات إقبال وإدبار. وهذا القول والذي قبله يرجع إلى معنى واحد. ويجوز أن تكون الهاء للسؤال أي إن سؤالك إياي أن أنجيه عمل غير صالح. قاله قتادة. وقال الحسن: معنى عمل غير صالح أنه ولد على فراشه ولم يكن ٱبنه. وكان لغير رِشْدَة، وقاله أيضاً مجاهد. قال قتادة سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان ٱبنه قلت إن الله أخبر عن نوح أنه قال: «إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْليِ» فقال: لم يقل مني، وهذه إشارة إلى أنه كان ٱبن ٱمرأته من زوج آخر فقلت له: إن الله حكى عنه أنه قال: «إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي» «وَنَادَى نُوحٌ ٱبْنَهُ» ولا يختلف أهل الكتابين أنه ٱبنه فقال الحسن: ومن يأخذ دينه عن أهل الكتاب إنهم يكذِبون. وقرأ: «فَخَانَتَاهُمَا». وقال ٱبن جريج: ناداه وهو يحسب أنه ٱبنه، وكان ولد على فراشه، وكانت ٱمرأته خانته فيه ولهذا قال:

السابقالتالي
2 3