الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } * { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا } أمر بالركوب ويحتمل أن يكون من الله تعالى، ويحتمل أن يكون من نوح لقومه. والركوب العلوّ على ظهر الشيء. ويقال: ركبه الدّيْن. وفي الكلام حذف أي ٱركبوا الماء في السفينة. وقيل: المعنى ٱركبوها. و «في» للتأكيد كقوله تعالى:إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43] وفائدة «في» أنهم أمروا أن يكونوا في جوفها لا على ظهرها. قال عِكرمة: ركب نوح عليه السلام في الفلك لعشر خلون من رجب، وٱستوت على الجُوديّ لعشر خلون من المحرم فذلك ستة أشهر وقاله قَتَادة وزاد وهو يوم عاشوراء فقال لمن كان معه: من كان صائماً فليتم صومه، ومن لم يكن صائماً فليصمه. وذكر الطبريّ في هذا حديثاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن نوحاً ركب في السفينة أوّل يوم من رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجوديّ، فصامه نوح ومن معه. وذكر الطبريّ عن ابن إسحق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة، ومرت بالبيت فطافت به سبعاً، وقد رفعه الله عن الغرق فلم ينله غرق، ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجوديّ فاستوت عليه. قوله تعالى: { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما إلا من شذ، على معنى بسم الله إجراؤها وإرساؤها فمجراها ومرساها في موضع رفع بالابتداء ويجوز أن تكون في موضع نصب، ويكون التقدير: بسم الله وقت إجرائها ثم حذف وقت، وأقيم «مجراها» مقامه. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي: «بِسمِ ٱللَّهِ مَجْرِيهَا» بفتح الميم و «مُرْسَاهَا» بضم الميم. وروى يحيـى بن عيسى عن الأعمش عن يحيـى بن وثّاب «بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا» بفتح الميم فيهما على المصدر من جَرت تَجري جرياً ومجَرًى، ورَست رُسوًّا ومَرْسىً إذا ثبتت. وقرأ مجاهد وسليمان بن جُنْدُب وعاصم الجَحْدَريّ وأبو رَجاء العُطَارِدِيّ: «بِسْمِ ٱللَّهِ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيَها» نعت لله عز وجل في موضع جر. ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي هو مُجريها ومُرسيها. ويجوز النصب على الحال. وقال الضحّاك: كان نوح عليه السلام إذا قال بسم الله مَجراها جرت، وإذا قال بسم ٱلله مَرساها رست. وروى مروان بن سالم عن طلحة بن عبيد الله بن كَرِيز عن الحسين بن عليّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمَانٌ لأمتي من الغرق إذا ركبوا في الفلك بسم الله الرحمن الرحيم " وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر:67] { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وفي هذه الآية دليل على ذكر البسملة عند ٱبتداء كل فعل كما بيّناه في البسملة، وٱلحمد لله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7