الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَقَالَ ٱلْمَلأُ } قال أبو إسحق الزجاج: الملأ الرؤساء أي هم مليئون بما يقولون. وقد تقدّم هذا في «البقرة» وغيرها. { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً } أي آدميًّا. { مِّثْلَنَا } نصب على الحال. و { مثلنا } مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين كما قال الشاعر:
يا رُبَّ مِثْـلِكِ فـي النِّسـاءِ غَرِيـرَةٍ   
الثانية: قوله تعالى: { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } أَرَاذل جمع أَرْذُل وأَرْذُل جمع رَذْل مثل كَلْب وأكْلُب وأَكَالب. وقيل: والأراذل جمع الأَرْذل، كأَسَاود جمع الأَسْوَد من الحيّات. والرَّذْل النّذْل أرادوا ٱتبعك أخِسّاؤنا وسَقَطُنا وسفلتنا. قال الزجاج: نسبوهم إلى الحِياكة ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة. قال النحاس: الأراذل هم الفقراء، والذين لا حسب لهم، والخسيسو الصناعات. وفي الحديث: " إنهم كانوا حاكَة وحَجَّامين ". وكان هذا جهلاً منهم لأنهم عابوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بما لا عيب فيه لأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسَلون إلى الناس جميعاً، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. قلت: الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء كما قال هِرَقْل لأبي سفيان: أشراف الناس ٱتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم فقال: هم أتباع الرسل. قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأَنَفة من الانقياد للغير والفقير خلِيٌّ عن تلك الموانع، فهو سريع إلى الإجابة والانقياد. وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. الثالثة: اختلف العلماء في تعيين السّفلة على أقوال فذكر ٱبن المبارك عن سفيان أن السّفلة هم الذين يَتَقلَّسون، ويأتون أبواب القضاة والسلاطين يطلبون الشهادات. وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: السّفِلة الذين يأكلون الدنيا بدينهم قيل له: فمن سفلة السّفلة؟ قال: الذي يُصلح دنيا غيره بفساد دينه. وسئل علي رضي الله عنه عن السّفلة فقال: الذين إذا اجتمعوا غَلَبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا. وقيل لمالك بن أنس رضي الله عنه: مَن السّفلة؟ قال: الذي يسبّ الصحابة. وروي عن ٱبن عباس رضي الله عنهما: الأرذلون الحاكَة والحجّامون. يحيـى بن أَكْثَم: الدّبّاغ والكنّاس إذا كان من غير العرب. الرابعة: إذا قالت المرأة لزوجها: يا سَفِلة، فقال: إن كنتُ منهم فأنتِ طالق فحكى النقاش أن رجلاً جاء إلى التّرمذي فقال: إن ٱمرأتي قالت لي يا سَفِلة، فقلت: إن كنتُ سَفِلة فأنت طالق قال التّرمذيّ: ما صناعتك؟ قال: سماك قال: سَفِلة واللَّهِ، سَفلة والله سفلة. قلت: وعلى ما ذكره ابن المبارك عن سفيان لا تطلق، وكذلك على قول مالك، وابن الأعرابي لا يلزمه شيء.

السابقالتالي
2