الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } ٱبتداء والخبر محذوف أي أفمن كان على بينة من ربه في اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعه من الفضل ما يتَبيّن به كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها؟ٰ عن علي بن الحسين والحسن بن أبي الحسن. وكذلك قال ٱبن زيد: إن الذي على بيّنة هو من ٱتبع النبيّ محمداً صلى الله عليه وسلم. { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } من الله، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل المراد بقوله: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } النبيّ صلى الله عليه وسلم، والكلام راجع إلى قوله: { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } أي أفمن كان معه بيان من الله، ومعجزة كالقرآن، ومعه شاهد كجبريل ـ على ما يأتي ـ وقد بشرت به الكتب السالفة يضيق صدره بالإبلاغ، وهو يعلم أن الله لا يُسْلِمه. والهاء في { ربّه } تعود عليه، وقوله: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ }. وروى عِكرمة عن ٱبن عباس أنه جبريل وهو قول مجاهد والنَّخَعِيّ. والهاء في { منه } لله عز وجل أي ويتلو البيان والبرهان شاهد من الله عز وجل. وقال مجاهد: الشاهد ملَك من الله عزّ وجلّ يحفظه ويُسدّده. وقال الحسن البصري وقَتَادة: الشاهد لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن علي بن الحنفية: قلت لأبي أنت الشاهد؟ فقال: وددت أن أكون أنا هو، ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو علي بن أبي طالب روي عن ٱبن عباس أنه قال: هو علي بن أبي طالب وروي عن عليّ أنه قال: ما من رجل من قريش إلا وقد أنزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل: أي شيء نزل فيك؟ فقال عليّ: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }. وقيل: الشاهد صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله لأن من كان له فضل وعقل فنظر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالهاء على هذا ترجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، على قول ٱبن زيد وغيره. وقيل الشاهد القرآن في نظمه وبلاغته، والمعاني الكثيرة منه في اللفظ الواحد قاله الحسين بن الفضل، فالهاء في { منه } للقرآن. وقال الفرّاء قال بعضهم: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } الإنجيل، وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق والهاء في { منه } لله عزّ وجلّ. وقيل: البيّنة معرفة الله التي أشرقت لها القلوب، والشاهد الذي يتلوه العقلُ الذي رُكِّب في دماغه وأشرق صدره بنوره. { وَمِن قَبْلِهِ } أي من قبل الإنجيل. { كِتَابُ مُوسَىٰ } رفع بالابتداء، قال أبو إسحق الزجاج: والمعنى ويتلوه من قبله كتاب موسى لأن النبي صلى الله عليه وسلم موصوف في كتاب موسى

السابقالتالي
2