الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة وخصها بالذكر لأنها ثانية الإيمان، وإليها يفزع في النوائب وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة. وقال شيوخ الصوفية: إن المراد بهذه الآية ٱستغراق الأوقات بالعبادة فرضاً ونفلاً قال ٱبن العربي: وهذا ضعيف، فإن الأمر لم يتناول ذلك إلا واجباً لا نفلاً، فإن الأوراد معلومة، وأوقات النوافل المرغّب فيها محصورة، وما سواها من الأوقات يسترسل عليها الندب على البدل لا على العموم، وليس ذلك في قوة بشر. الثانية: قوله تعالى: { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } قال مجاهد: الطرف الأول صلاة الصبح، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر وٱختاره ٱبن عطية. وقيل: الطرفان الصبح والمغرب قاله ٱبن عباس والحسن. وعن الحسن أيضاً: الطرف الثاني العصر وحده وقاله قتادة والضحّاك. وقيل: الطّرفان الظهر والعصر. والزُّلَف المغرب والعشاء والصبح كأن هذا القائل راعى جهر القراءة. وحكى الماورديّ أن الطرف الأوّل صلاة الصبح باتفاق. قلت: وهذا الاتفاق ينقصه القول الذي قبله. ورجح الطّبري أن الطرفين الصبح والمغرب، وأنه ظاهر قال ٱبن عطية: ورد عليه بأن المغرب لا تدخل فيه لأنها من صلاة الليل. قال ٱبن العربي: والعجب من الطبري الذي يرى أن طرفي النهار الصبح والمغرب وهما طرفا الليل! فقلب القوس ركوة، وحاد عن البرجاس غلوة قال الطبري: والدليل عليه إجماع الجميع على أن أحد الطرفين الصبح، فدلّ على أن الطرف الآخر المغرب، ولم يجمع معه على ذلك أحد. قلت: هذا تحامل من ٱبن العربي في الرد، وأنه لم يجمع معه على ذلك أحد وقد ذكرنا عن مجاهد أن الطرف الأول صلاة الصبح، وقد وقع الاتفاق ـ إلا من شذّ ـ بأن من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمداً أن يومه ذلك يوم فطر، وعليه القضاء والكفارة، وما ذلك إلا وما بعد طلوع الفجر من النهار فدلّ على صحة ما قاله الطّبري في الصبح، وتبقى عليه المغرب والردّ عليه فيه ما تقدّم. والله أعلم. الثالثة: قوله تعالى: { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } أي في زُلَفٍ من الليل، والزّلف الساعات القريبة بعضها من بعض ومنه سميت المزْدَلِفَة لأنها منزل بعد عَرَفَة بقرب مكة. وقرأ ابن القَعْقاع وابن أبي إسحاق وغيرهما «وَزُلُفاً» بضم اللام جمع زَلِيف لأنه قد نطق بزليف، ويجوز أن يكون واحده «زُلُفة» لغة كبُسرة وبسُر، في لغة من ضمّ السين. وقرأ ٱبن محيصن «وَزُلْفاً» من الليل بإسكان اللام والواحدة زُلْفة تجمع جمع الأجناس التي هي أشخاص كدرّةٍ ودُرّ وبُرّة وبُرّ.

السابقالتالي
2 3