الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } أي إن كلاً من الأمم التي عددناهم يرون جزاء أعمالهم فكذلك قومك يا محمد. وٱختلف القراء في قراءة { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا } فقرأ أهل الحرمين ـ نافع وٱبن كثير وأبو بكر معهم ـ «وَإِنْ كُلاًّ لَمَا» بالتخفيف، على أنها «إن» المخففة من الثقيلة معملة وقد ذكر هذا الخليل وسيبويه، قال سيبويه: حدثنا من أثق به أنه سمع العرب تقول: إن زيداً لمنطلقٌ وأنشد قول الشاعر:
كأنْ ظِبْيَةً تَعْطُو إلى وَارِقِ السَّلَمْ   
أراد كأنها ظبية فخفّف ونصب ما بعدها والبصريون يجوزون تخفيف «إنّ» المشدّدة مع إعمالها وأنكر ذلك الكسائيّ وقال: ما أدري على أي شيء قرىء «وَإِنْ كُلاًّ»! وزعم الفراء أنه نصب «كلاّ» في قراءة من خفف بقوله: «لَيُوفينهم» أي وإن ليوفينهم كلاّ وأنكر ذلك جميع النحويين، وقالوا: هذا من كبير الغلط لا يجوز عند أحد زيداً لأضربنه. وشدّد الباقون «إنّ» ونصبوا بها «كلاّ» على أصلها. وقرأ عاصم وحمزة وٱبن عامر «لَمَّا» بالتشديد. وخففها الباقون على معنى: وإن كلا ليوفينهم، جعلوا «ما» صلة. وقيل: دخلت لتفصل بين اللامين اللتين تتلقيان القسم، وكلاهما مفتوح ففصل بينهما بـ«ـما». وقال الزجاج: لام «لمّا» لام «إنّ» و«ما» زائدة مؤكدة تقول: إن زيداً لمنطلق فإنّ تقتضي أن يدخل على خبرها أو ٱسمها لام كقولك: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وقوله:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } [الزمر: 21]. واللام في «ليوفينهم» هي التي يُتَلقى بها القسم، وتدخل على الفعل ويلزمها النون المشدّدة أو المخففة ولما اجتمعت اللامان فصل بينهما بـ«ـما» و«ما» زائدة مؤكدة، وقال الفراء: «ما» بمعنى «من» كقوله:وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ } [النساء:72] أي وإنّ كلاً لمن ليوفِينهم، واللام في «ليوفينهم» للقسم وهذا يرجع معناه إلى قول الزجاج، غير أن «ما» عند الزجاج زائدة وعند الفراء ٱسم بمعنى «من». وقيل: ليست بزائدة، بل هي ٱسم دخل عليها لام التأكيد، وهي خبر «إن» و«ليوفينهم» جواب القسم، التقدير: وإنّ كلاً خَلْق ليوفينهم ربك أعمالهم. وقيل: «ما» بمعنى «من» كقوله:فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء: 3] أي مَنْ وهذا كله هو قول الفراء بعينه. وأما من شدّد «لما» وقرأ «وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا» بالتشديد فيهما ـ وهو حمزة ومن وافقه ـ فقيل: إنه لحن حكي عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز ولا يقال: إنّ زيداً إلاّ لأضربَنّه، ولا لَمّا لضربته. وقال الكسائي: الله أعلم بهذه القراءة، وما أعرف لها وجهاً. وقال هو وأبو علي الفارسي: التشديد فيهما مشكل. قال النحاس وغيره: وللنحويين في ذلك أقوال: الأول: أن أصلها «لمن ما» فقلبت النون ميماً، واجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى فصارت «لما» و«ما» على هذا القول بمعنى «من» تقديره: وإن كلا لمن الذين كقولهم:

السابقالتالي
2