الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } * { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } * { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } * { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ }

قوله تعالى: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } «ذَلِكَ» رفع على إضمار مبتدأ، أي الأمر ذلك. وإن شئت بالابتداء والمعنى: ذلك النبأ المتقدّم من أنباء القرى نقصه عليك. { مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } قال قتادة: القائم ما كان خاوياً على عروشه، والحصيد ما لا أثر له. وقيل: القائم العامر، والحصيد الخراب قاله ٱبن عباس: وقال مجاهد: قائم خاوية على عروشها، وحصيد مستأصل يعني محصوداً كالزرع إذا حصد قال الشاعر:
والناس في قَسْم المنيّة بينهم   كالزّرع منه قائِمٌ وحَصِيدُ
وقال آخر:
إنما نحن مثلُ خَامَةِ زَرْعٍ   فمتى يَأْنِ يَأْتِ مُحْتَصِدُهْ
قال الأخفش سعيد: حصيد أي محصود، وجمعه حصدى وحِصاد مثل مرضى ومِراض قال: يكون فيمن يعقل حصدى، مثل قتِيل وقتلى. { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } أصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه، وقد تقدّم في «البقرة» مستوفى. { وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالكفر والمعاصي. وحكى سيبويه أنه يقال: ظلم إياه { فَمَا أَغْنَتْ } أي دفعت. { عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } في الكلام حذف، أي التي كانوا يعبدون أي يدعون. { لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } أي غير تخسير قاله مجاهد وقتادة. وقال لبيد:
فلقد بَلِيتُ وكلُّ صاحبِ جِدّةٍ   لِبِلًى يَعُودُ وذَاكُمُ التَّتْبِيبُ
والتَّبَات الهلاك والخسران، وفيه إضمار أي ما زادتهم عبادة الأصنام، فحذف المضاف أي كانت عبادتهم إياهم قد خسَّرتهم ثواب الآخرة. قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ } أي كما أخذ هذه القرى التي كانت لنوح وعاد وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة. وقرأ عاصم الجحدري وطلحة بن مصرف «وَكَذَلِكَ أَخَذَ رَبُّكَ إِذْ أَخَذَ الْقُرَى» وعن الجحدريّ أيضاً «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ» كالجماعة «إِذْ أَخَذَ القُرَى». قال المهدويّ من قرأ: «وكذلك أخذ ربك إِذْ أخذ» فهو إخبار عما جاءت به العادة في إهلاك من تقدّم من الأمم والمعنى: وكذلك أَخَذَ ربك من أخذه من الأمم المهلكة إذْ أخذهم. وقراءة الجماعة على أنه مصدر، والمعنى: كذلك أخذ ربك من أراد إهلاكه متى أخذه فإذْ لما مضى أي حين أخذ القرى وإذا للمستقبل { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي وأهلها ظالمون فحذف المضاف مثلوَٱسْأَلِ الْقَرْيَةَ } { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } أي عقوبته لأهل الشرك موجعة غليظة. وفي صحيح مسلم والترمذيّ من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ " ثم قرأ «وكذلك أخْذُ ربك إذا أخذ القرى» الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. قوله تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً } أي لعبرة وموعظة. { لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ }. { ذٰلِكَ يَوْمٌ } ، ابتداء وخبر. { مَّجْمُوعٌ } من نعته. { لَّهُ ٱلنَّاسُ } ٱسم ما لم يسم فاعله ولهذا لم يقل مجموعون فإن قدرت ٱرتفاع «الناس» بالابتداء، والخبر «مَجْمُوعٌ لَهُ» فإنما لم يقل: مجموعون على هذا التقدير لأن «له» يقوم مقام الفاعل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7