الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } * { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ }

ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خَلَف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، هَلُمَّ فلنعبدْ ما تعبد، وتَعْبَدْ ما نَعْبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد شرِكتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه فأنزل الله عز وجل { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }. وقال أبو صالح عن ابن عباس: إنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لَوِ اسْتَلَمْت بعض هذه الآلهة لصدقناك فنزل جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه السورة، فيئسوا منه، وآذَوه وآذَوا أصحابه. والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأيّ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم. ونحوه عن الماوردّي: نزلت جواباً، وعَنَى بالكافرينَ قوماً مُعَيَّنِين، لا جميع الكافرين لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قُتِل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون. قال أبو بكر بن الأنباريّ: وقرأ من طعن في القرآن: قُلْ لِلَّذِين كَفَرُوا { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يُذِلّ نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزرِيّ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لبِ وحِجاً. وذلك أن الذي يدّعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلاً ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم. فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا: يا أيها الكافرون دليل صحة هذا: أن العربيّ إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قلْ لزيد يا زيد أقبل إلينا. فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم، فيقول لهم: «يٰأيها الكافرون». وهو يعلم أنهم يغضبون من أن يُنْسبوا إلى الكفر، ويدخلو في جملة أهله إلاَّ وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به من جهتهم أذِية. فمن لم يقرأ { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } كما أنزلها الله، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، وشرّفه بها. وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله.

السابقالتالي
2 3