الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ } أي ألم تُخْبَر. وقيل: أَلَمْ تَعْلَم. وقال ابن عباس: أَلَمْ تسمع؟ واللفظ استفهام، والمعنى تقرير. والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكنه عام أي ألم تَرَوْا ما فعلتُ بأَصْحَابِ الفيل أي قد رأيتم ذلك، وعرفتم موضع مِنَّتِي عليكم، فما لكم لا تؤمنون؟ و { كَيْفَ } في موضع نصب بـ«ـفَعَلَ رَبُّك» لا بـ«ـألم تر كيف» من معنى الاستفهام. الثانية: قوله تعالى: { بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } الفيل معروف، والجمع أفيال: وفُيول، وفِيَلَة. قال ابن السكيت: ولا تقل أفيلة. والأنثى فِيلة وصاحبه فَيَّال. قال سيبويه: يجوز أن يكون أصل فِيل فُعْلاً، فكُسِر من أجل الياء كما قالوا: أبيض وبِيض. وقال الأخفش: هذا لا يكون في الواحد، إنما يكون في الجمع. ورجل فِيل الرأي، أي ضعيف الرأي. والجمع أفيال. ورجل فال أي ضعيف الرأي، مخطىء الفِراسة. وقد فال الرأي يَفِيل فُيولة، وفَيَّل رأيه تفِييلاً: أي ضعفه، فهو فَيِّل الرأي. الثالثة: في قصة أصحاب الفيل وذلك أن أَبرهة بنى القُلَّيس بصنعاء، وهي كنيسة لم يُرَ مِثلها في زمانها بشيء من الأرض، وكان نصرانياً، ثم كتب إلى النجاشيّ: إني قد بنيت لك أيها الملِك كنيسة لم يُبْن مثلها لملِك كان قبلك، ولست بمنتهٍ حتى أصرِف إليها حج العرب فلما تحدّثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشيّ، غضب رجل من النَّسَأة، فخرج حتى أتى الكنيسة، فقعد فيها ـ أي أحدث ـ ثم خرج فلحِق بأرضه فأُخْبِر بذلك أبرهة، فقال: من صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت، الذي تحج إليه العرب بمكة، لما سمِع قولك: «أَصْرِف إليها حَجَّ العرب» غضب، فجاء فقعد فيها. أي أنها ليست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسِيَرنّ إلى البيت حتى يهدِمه، وبعث رجلاً كان عنده إلى بني كِنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل فزاد أبرهةَ ذلك غضباً وحَنَقاً ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم سار وخرج معه بالفيل وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفَظِعوا به، ورأوا جهاده حقاً عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام. فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وما يريد من هدمه وإخرابه فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزِم ذو نفر وأصحابه، وأخِذ له ذو نفر فأُتِي به أسيراً فلما أراد قتله قال له ذو نَفْر: أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك من قتلي فتركه من القتل، وحبسه عنده في وَثاق، وكان أبرهة رجلاً حليماً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6