قوله تعالى: { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ } «آتَيْتَ» أي أعطيت. { زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي مال الدنيا، وكان لهم من فُسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزّبرجد والزّمرد والياقوت. قوله تعالى: { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } اختلف في هذه اللام، وأصح ما قيل فيها ـ وهو قول الخليل وسيبويه ـ أنها لام العاقبة والصيرورة وفي الخبر: " إن لله تعالى مَلَكا ينادي كلّ يوم لِدُوا للموت وابنوا للخراب " أي لما كان عاقبة أمرهم إلى الضلال صار كأنه أعطاهم ليضِلّوا. وقيل: هي لام كيّ، أي أعطيتهم لكي يضلوا ويَبْطَروا ويتكبروا. وقيل: هي لام أجْل، أي أعطيتهم لأجل إعراضهم عنك فلم يخافوا أن تعرض عنهم. وزعم قوم أن المعنى: أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا، فحذفت لا كما قال عز وجل:{ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [النساء: 176]. والمعنى: لأن لا تضلوا. قال النحاس: ظاهر هذا الجواب حسن، إلا أن العرب لا تحذف «لا» إلا مع أن فموّه صاحب هذا الجواب بقوله عز وجل: { أَن تَضِلُّواْ }. وقيل: اللام للدعاء، أي ٱبتلهم بالضلال عن سبيلك لأن بعده: «ٱطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ». وقيل: الفعل معنى المصدر أي إضلالهم كقوله عز وجل: { لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ }. قرأ الكوفيون: «لِيُضِلُّوا» بضم الياء من الإضلال، وفتحها الباقون. قوله تعالى: { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } أي عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم. قال الزجاج: طَمْسُ الشيء إذهابه عن صورته. قال ابن عباس ومحمد بن كعب: صارت أموالهم ودراهمهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأثلاثا وأنصافاً، ولم يبق لهم معدن إلا طمس الله عليه فلم ينتفع به أحد بعد. وقال قتادة: بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد وعطية: أهلكها حتى لا تُرَى يقال: عين مطموسة، وطُمس الموضع إذا عفا ودرَس. وقال ابن زيد: صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة. محمد بن كعب: وكان الرجل منهم يكون مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين قال: وسألني عمر بن عبد العزيز فذكرت ذلك له فدعا بخريطة أُصيبت بمصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير وإنها لحجارة. وقال السدّي: وكانت إحدى الآيات التسع. { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ }. قال ٱبن عباس: أي امنعهم الإيمان. وقيل: قَسِّها وٱطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان والمعنى واحد. { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } قيل: هو عطف على قوله: «لِيَضِلُّوا» أي آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا قاله الزجاج والمبرد. وعلى هذا لا يكون فيه من معنى الدعاء شيء. وقوله: { رَبَّنَا ٱطْمِسْ } { وَٱشْدُدْ } كلام معترَض. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة: هو دعاء، فهو في موضع جزم عندهم أي اللهم فلا يؤمنوا، أي فلا آمنوا.