الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً }. فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ } يخاطب كفار مكة. { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } «ما» في موضع نصب «بأرأيتم». وقال الزجاج: في موضع نصب بـ «أنزل». «وَأَنْزَلَ» بمعنى خلق كما قال:وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر: 6]. { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ }. فيجوز أن يعبر عن الخلق بالإنزال لأن الذي في الأرض من الرزق إنما هو بما ينزل من السماء من المطر. { فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً } قال مجاهد: هو ما حكموا به من تحريم البَحِيرة والسائبة والوِصيلة والحام. وقال الضحاك: هو قول الله تعالى:وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } [الأنعام: 136]. { قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } أي في التحليل والتحريم. { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ } «أم» بمعنى بل. { تَفْتَرُونَ } هو قولهم إن الله أمرنا بها. الثانية ـ استدلّ بهذه الآية من نفى القياس، وهذا بعيد فإن القياس دليل الله تعالى، فيكون التحليل والتحريم من الله تعالى عند وجود دِلالة نصبها الله تعالى على الحكم، فإن خالف في كون القياس دليلاً لله تعالى فهو خروج عن هذا الغرض ورجوع إلى غيره.