الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { هُنَالِكَ } في موضع نصب على الظرف. { تَبْلُواْ } أي في ذلك الوقت. «تبلو» أي تذوق. وقال الكَلْبِيّ: تعلم. مجاهد: تختبر. { كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } أي جزاء ما عملت وقدّمت. وقيل: تسلم، أي تسلم ما عليها من الحقوق إلى أربابها بغير اختيارها. وقرأ حمزة والكسائيّ «تتلو» أي تقرأ كل نفس كتابها الذي كُتب عليها. وقيل: «تتلو» تتبع أي تتبع كل نفس ما قدّمت في الدنيا قاله السُّدِّي. ومنه قول الشاعر:
إن المُرِيبَ يتبع المُرِيبَا   كما رأيت الذِّيب يتلو الذِّيبا
قوله تعالى: { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } بالخفض على البدل أو الصفة. ويجوز نصب الحق من ثلاث جهات يكون التقدير: وردوا حقاً، ثم جيء بالألف واللام. ويجوز أن يكون التقدير: مولاهم حقاً لا ما يعبدون من دونه. والوجه الثالث أن يكون مدحاً أي أعني الحق. ويجوز أن يرفع «الحق»، ويكون المعنى مولاهم الحق ـ على الابتداء والخبر، والقطع مما قبل ـ لا ما يشركون من دونه. ووصف نفسه سبحانه بالحق لأن الحق منه كما وصف نفسه بالعدل لأن العدل منه أي كل عدل وحق فمن قِبله، وقال ٱبن عباس: «مَوْلاَهُمُ بالْحَق» أي الذي يجازيهم بالحق. { وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي بطل. { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } «يفترون» في موضع رفع وهو بمعنى المصدر، أي افتراؤهم. فإن قيل: كيف قال «وردوا إلى الله مولاهم الحق» وقد أخبر بأن الكافرين لا مولى لهم. قيل: ليس بمولاهم في النصرة والمعونة، وهو مولى لهم في الرزق وإدرار النعم.