الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } روُي من حديث أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى «وَزِيَادَةٌ» قال «للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم» وهو قول أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب في رواية. وحذيفة وعُبادة ابن الصامت وكعب بن عُجْرة وأبي موسى وصُهيب وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين، وهو الصحيح في الباب. وروى مسلم في صحيحه عن صُهيب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم فيقولون ألم تبيّض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشِف الحجاب فما أُعْطُوا شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ـ وفي رواية ثم تلا ـ «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» " وخرّجه النسائي أيضاً عن صُهيب قال: " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الآية: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ وأهلُ النار النارَ نادى منادٍ يا أهل الجنة إن لكم موعداً عند الله يريد أن يُنْجِزكُموه قالوا ألم يبيّض وجوهنا ويُثقل موازينَنا ويُجِرْنا من النار قال فيكشِف الحجابَ فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر ولا أقَرّ لأعينهم» " وخرّجه ابن المبارك في دقائقه عن أبي موسى الأشعري موقوفاً، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة، وذكرنا هناك معنى كشف الحجاب، والحمد لله. وخرّج الترمذي الحكيم أبو عبد الله رحمه الله: حدّثنا علي بن حجر حدّثنا الوليد بن مسلم عن زُهير عن أبي العالية " عن أُبَيّ بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب الله في قوله: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } قال: «النظر إلى وجه الرحمن» وعن قوله: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» [الصافات: 147] قال: «عشرون ألفاً» " وقد قيل: إن الزيادة أن تضاعف الحسنة عشر حسنات إلى أكثر من ذلك رُوي عن ٱبن عباس. ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة آلاف باب. وقال مجاهد: الحسنى حسنة مثل حسنة، والزيادة مغفرة من الله ورضوان. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الحسنى الجنة، والزيادة ما أعطاهم الله في الدنيا من فضله لا يحاسبهم به يوم القيامة. وقال عبد الرحمن بن سابط: الحسنى البشرى، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم قال الله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }. وقال يزيد بن شجرة: الزيادة أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتُمطرهم من كل النوادر التي لم يروها، وتقول: يا أهل الجنة، ما تريدون أن أُمطركم؟ فلا يريدون شيئاً إلا أمطرتهم إياه.

السابقالتالي
2