الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ }

قوله تعالى: { الۤر } قال النحاس: قرىء على أبي جعفر أحمد بن شعيب بن علي بن الحسين بن حريث قال: أخبرنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد أن عكرمة حدّثه عن ٱبن عباس: الۤر، وحمۤ، ونون حروف الرحمن مفرّقة فحدّثت به الأعمش فقال: عندك أشباه هذا ولا تخبرني به؟. وعن ٱبن عباس أيضاً قال: معنى «الۤر» أنا الله أرى. قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب وأنشد:
بالخير خيراتٍ وإن شَرّاً فَا   ولا أُريد الشرّ إلا أنْ تَا
وقال الحسن وعكرمة: «الۤر» قَسَم. وقال سعيد عن قتادة: «الۤر» اسم السورة قال: وكذلك كل هجاء في القرآن. وقال مجاهد: هي فواتح السُّوَر. وقال محمد بن يزيد: هي تنبيه، وكذا حروف التهجي. وقرىء «الر» من غير إمالة. وقرىء بالإمالة لئلا تُشبه ما ولا من الحروف. قوله تعالى: { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } ابتداء وخبر، أي تلك التي جرى ذكرها آيات الكتاب الحكيم. قال مجاهد وقتادة: أراد التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة فإن «تلك» إشارة إلى غائب مؤنّث. وقيل: «تلك» بمعنى هذه أي هذه آيات الكتاب الحكيم. ومنه قول الأعشى:
تلك خَيْلِي منه وتلك رِكابي   هنّ صُفْرٌ أولادها كالزَّبيب
أي هذه خيلي. والمراد القرآن وهو أولى بالصواب لأنه لم يجر للكتب المتقدّمة ذكر، ولأن «الحكيم» من نعت القرآن. دليله قوله تعالى:الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } [هود: 1] وقد تقدّم هذا المعنى في أوّل سورة «البقرة». والحكيم: المُحْكَم بالحلال والحرام والحدود والأحكام قاله أبو عبيدة وغيره. وقيل: الحكيم بمعنى الحاكم أي إنه حاكم بالحلال والحرام، وحاكم بين الناس بالحق فعِيل بمعنى فاعل. دليله قوله:وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [البقرة: 213]. وقيل: الحكيم بمعنى المحكوم فيه أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر، وبالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه فهو فعيل بمعنى المفعول قاله الحسن وغيره. وقال مقاتل: الحكيم بمعنى المُحْكَم من الباطل لا كذب فيه ولا اختلاف فعيل بمعنى مفعَل، كقول الأعشى يذكر قصيدته التي قالها:
وغريبةٍ تأتي الملوكَ حكيمةٍ   قد قلتها ليقال من ذا قالها