الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ }

اعلم أن في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي في كتاب البسيط: هذه الآية من أصعب ما في القرآن نظماً وتفسيراً، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء، ثم إنه رحمه الله تعالى لم يلخص كيفية الإشكال فيها وأنا أقول: وجه الإشكال أن تقدير الآية: لم يكن الذين كفروا منفكين حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول، ثم إنه تعالى لم يذكر أنهم منفكون عن ماذا لكنه معلوم، إذ المراد هو الكفر الذي كانوا عليه، فصار التقدير: لم يكن الذين كفروا منفكين، عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول، ثم إن كلمة حتى لانتهاء الغاية فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول، ثم قال بعد ذلك: { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرسول عليه السلام، فحينئذ يحصل بين الآية الأولى والآية الثانية مناقضة في الظاهر، هذا منتهى الإشكال فيما أظن والجواب: عنه من وجوه أولها: وأحسنها الوجه الذي لخصه صاحب الكشاف. وهو أن الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان، كانوا يقولون قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم: لا ننفك عما نحن عليه من ديننا، ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل. وهو محمد عليه السلام، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه، ثم قال: { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول، ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه: لست أمتنع مما أنا فيه من الأفعال القبيحة حتى يرزقني الله الغنى، فلما رزقه الله الغنى ازداد فسقاً فيقول واعظه: لم تكن منفكاً عن الفسق حتى توسر، وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار بذكره ما كان يقوله توبيخاً وإلزاماً، وحاصل هذا الجواب يرجع إلى حرف واحد، وهو أن قوله: { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُنفَكّينَ } عن كفرهم: { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } مذكورة حكاية عنهم، وقوله: { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } هو إخبار عن الواقع، والمعنى أن الذي وقع كان على خلاف ما ادعوا وثانيها: أن تقدير الآية، لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم وإن جاءتهم البينة. وعلى هذا التقدير يزول الإشكال هكذا ذكره القاضي إلا أن تفسير لفظة حتى بهذا ليس من اللغة في شيء وثالثها: أنا لا نحمل قوله: { مُنفَكّينَ } على الكفر بل على كونهم منفكين عن ذكر محمد بالمناقب والفضائل والمعنى لم يكن الذين كفروا منفكين عن ذكر محمد بالمناقب والفضائل حتى تأتيهم البينة قال ابن عرفة: أي حتى أتتهم، فاللفظ لفظ المضارع ومعناه الماضي، وهو كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6