الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ }

لأهل التفسير في قوله: { وَٱلضُّحَىٰ } وجهان: أحدهما: أن المراد بالضحى وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقي شعاعها وثانيها: الضحى هو النهار كله بدليل أنه جعل في مقابلة الليل كله. وأما قوله: { وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } فذكر أهل اللغة في { سَجَىٰ } ثلاثة أوجه متقاربة: سكن وأظلم وغطى أما الأول: فقال أبو عبيد والمبرد والزجاج: سجى أي سكن يقال: ليلة ساجية أي ساكنة الريح، وعين ساجية أي فائزة الطرف. وسجى البحر إذا سكنت أمواجه، وقال في الدعاء:يا مالك البحر إذا البحر سجى وأما الثاني: وهو تفسير سجى بأظلم. فقال الفراء: سجى أي أظلم وركد في طوله. وأما الثالث: وهو تفسير سجى بغطى، فقال الأصمعي وابن الأعرابي سجى الليل تغطيته النهار، مثل ما يسجى الرجل بالثوب، واعلم أن أقوال المفسرين غير خارجة عن هذه الوجوه الثلاثة فقال ابن عباس: غطى الدنيا بالظلمة، وقال الحسن: ألبس الناس ظلامه، وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: إذا أقبل الليل غطى كل شيء، وقال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد: سكن بالناس ولسكونه معنيان أحدهما: سكون الناس فنسب إليه كما يقال ليل نائم ونهار صائم والثاني: هو أن سكونه عبارة عن استقرار ظلامه واستوائه فلا يزداد بعد ذلك، وههنا سؤالات: السؤال الأول: ما الحكمة في أنه تعالى في السورة الماضية قدم ذكر الليل، وفي هذه السورة أخره؟ قلنا: فيه وجوه أحدها: أن بالليل والنهار ينتظم مصالح المكلفين، والليل له فضيلة السبق لقوله:وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1] وللنهار فضيلة النور، بل الليل كالدنيا والنهار كالآخرة، فلما كان لكل واحد فضيلة ليست للآخر، لا جرم قدم هذا على ذاك تارة وذاك، على هذا أخرى، ونظيره أنه تعالى قدم السجود على الركوع في قوله:وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى } [آل عمران: 43] ثم قدم الركوع على السجود في قوله:ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } [الحج: 77] وثانيها: أنه تعالى قدم الليل على النهار في سورة أبي بكر لأن أبا بكر سبقه كفر، وههنا قدم الضحى لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما سبقه ذنب وثالثها: سورة والليل سورة أبي بكر، وسورة الضحى سورة محمد عليه الصلاة والسلام ثم ما جعل بينهما واسطة ليعلم أنه لا واسطة بين محمد وأبي بكر، فإذا ذكرت الليل أولاً وهو أبو بكر، ثم صعدت وجدت بعده النهار وهو محمد، وإن ذكرت والضحى أولاً وهو محمد، ثم نزلت وجدت بعده، والليل وهو أبو بكر، ليعلم أنه لا واسطة بينهما. السؤال الثاني: ما الحكمة ههنا في الحلف بالضحى والليل فقط؟ والجواب: لوجوه أحدها: كأنه تعالى يقول: الزمان ساعة، فساعة ساعة ليل، وساعة نهار، ثم يزداد فمرة تزداد ساعات الليل وتنقص ساعات النهار، ومرة بالعكس فلا تكون الزيادة لهوى ولا النقصان لقلى.

السابقالتالي
2