الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعد في الآية الأولى على سبيل الإجمال ذكره في هذه الآية على سبيل التفصيل، وذلك لأنه تعالى وعد بالرحمة، ثم بين في هذه الآية أن تلك الرحمة هي هذه الأشياء. فأولها قوله: { جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَـٰالِدِينَ فِيهَا } والأقرب أن يقال إنه تعالى أراد بها البساتين التي يتناولها المناظر لأنه تعالى قال بعده: { وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ } والمعطوف يجب أن يكون مغايراً للمعطوف عليه، فتكون مساكنهم في جنات عدن، ومناظرهم الجنات التي هي البساتين، فتكون فائدة وصفها بأنها عدن، أنها تجري مجرى الدار التي يسكنها الإنسان. وأما الجنات الآخرة فهي جارية مجرى البساتين التي قد يذهب الإنسان إليها لأجل التنزه وملاقاة الأحباب. وثانيها: قوله: { وَمَسَـٰكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ } قد كثر كلام أصحاب الآثار في صفة جنات عدن. قال الحسن: سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن قوله: { وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً } فقالا: على الخبير سقطت، سألنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: " هو قصر في الجنة من اللؤلؤ، فيه سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً، على كل سرير سبعون فراشاً، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة، يعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك أجمع " وعن ابن عباس أنها دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر. وأقول لعل ابن عباس قال: إنها دار المقربين عند الله فإنه كان أعلم بالله من أن يثبت له داراً، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله حدثني عن الجنة ما بناؤها فقال: " لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصاؤها الدر والياقوت. فيها النعيم بلا بؤس والخلود بلا موت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه " وقال ابن مسعود: جنات عدن بطنان الجنة، قال الأزهري: بطنانها وسطها، وبطنان الأودية المواضع التي يستنفع فيها ماء السيل واحدها بطن، وقال عطاء عن ابن عباس: هي قصبة الجنة وسقفها عرش الرحمن وهي المدينة التي فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وسائر الجنات حولها وفيها عين التسنيم وفيها قصور الدر والياقوت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر. وقال عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصراً يقال له عدن، حوله البروج وله خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد، وأقول حاصل الكلام إن في جنات عدن قولان: أحدهما: أنه اسم علم لموضع معين في الجنة، وهذه الأخبار والآثار التي نقلناها تقوي هذا القول.

السابقالتالي
2