الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: في { ٱلنَّسِىء } قولان: القول الأول: أنه التأخير. قال أبو زيد: نسأت الإبل عن الحوض أنسأها نسأ إذا أخرتها وأنسأته إنساء إذا أخرته عنه، والاسم النسيئة والنسء، ومنه: أنسأ الله فلاناً أجله، ونسأ في أجله قال أبو علي الفارسي: النسىء مصدر كالنذير والنكير، ويحتمل أيضاً أن يكون نسىء بمعنى منسوء كقتيل: بمعنى مقتول، إلا أنه لا يمكن أن يكون المراد منه ههنا المفعول، لأنه إن حمل على ذلك كان معناه: إنما المؤخر زيادة في الكفر، والمؤخر الشهر، فيلزم كون الشهر كفراً، وذلك باطل، بل المراد من النسيء ههنا المصدر بمعنى الإنساء، وهو التأخير. وكان النسىء في الشهور عبارة عن تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، ليست له تلك الحرمة. وروي عن ابن كثير من طريق شبل: النسء بوزن النفع وهو المصدر الحقيقي، كقولهم: نسأت، أي أخرت وروي عنه أيضاً: النسىء مخففة الياء، ولعله لغة في النسء بالهمزة مثل: أرجيت وأرجأت. وروي عنه: النسي مشدد الياء بغير همزة وهذا على التخفيف القياسي. والقول الثاني: قال قطرب: النسىء أصله من الزيادة يقال: نسأل في الأجل وأنسأ إذا زاد فيه، وكذلك قيل للبن النسء لزيادة الماء فيه، ونسأت المرأة حبلت، جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وقيل للناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسىء قال الواحدي: الصحيح القول الأول، وهو أن أصل النسىء التأخير، ونسأت المرأة إذا حبلت لتأخر حيضها، ونسأت الناقة أي أخرتها عن غيرها، لئلا يصير اختلاط بعضها ببعض مانعاً من حسن المسير، ونسأت اللبن إذا أخرته حتى كثر الماء فيه. إذا عرفت هذين القولين فنقول: إن القوم علموا أنهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية، فإنه يقع حجهم تارة في الصيف وتارة في الشتاء، وكان يشق عليهم الأسفار ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات، لأن سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة، فعلموا أن بناء الأمر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسية، ولما كانت السنة الشمسية زائدة على السنة القمرية بمقدار معين، احتاجوا إلى الكبيسة وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران: أحدهما: أنهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهراً بسبب اجتماع تلك الزيادات. والثاني: أنه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمرية إلى غيره، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة وبعده في المحرم وبعده في صفر، وهكذا في الدور حتى ينتهي بعد مدة مخصوصة مرة أخرى إلى ذي الحجة، فحصل بسبب الكبيسة هذان الأمران: أحدهما: الزيادة في عدة الشهور.

السابقالتالي
2 3 4